لم تكن علاقات مصر وثيقة من قبل بحزب الله وقد لا تكون في المستقبل القريب, وليس ذلك لأن الحزب شيعي في أغلبه, ومصر أكبر دولة سنية في المنطقة, ولكن لأن مصالح مصر لم تتقابل مع الحزب في مراحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي, كذلك فإنها لم تتقاطع معه في مرحلة ما, والواقع ـ كما نشعر به ـ أن العلاقات بينهما كانت دائما تقوم علي قدر من التحفظ وتنطوي علي إحساس مشترك بعدم التطابق الفكري والسياسي, فالأجندة المصرية مازالت تستند الي السلام كخيار استراتيجي بينما حزب الله يري أنه الفصيل الأول في المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي وأنه يقف علي الخط المتقدم في صراع الأمة العربية مع الدولة العبرية, ولازلت أذكر من لقاء مع السيد محتشمي الذي كان وزيرا لداخلية إيران ثم زعيما لمجموعة الإصلاحيين في البرلمان الإيراني وقد كان من قبل سفيرا لبلاده في دمشق أواخر السبعينيات من القرن الماضي حتي ارتبط اسمه بنشأة حزب الله حيث لعب الدور الإيراني في تأسيس ذلك الحزب وأيامها فقد أصابع يديه نتيجة رسالة ملغومة تلقاها كإشارة إرهابية من إسرائيل التي كانت تتابع عن كثب تلك النشأة لذلك الحزب ذي التأثير الضخم في أوضاع المشرق العربي, وعندما جاء السيد محتشمي إلي مصر غداة أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام2001 علي رأس وفد إيراني لدعم الانتفاضة الفلسطينية وطلب زيارة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري وقد استقبلته يومها وأنا أتصور أنه قد يكون شامتا في الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة العمل الإرهابي ضد واشنطن ونيويورك قبل لقائنا بيومين فقط فإذا به يفاجئني بأنه يعزي الشعب الأمريكي في مصابه ويندد بالحادث الإرهابي ويشجب من هم وراءه, يومها أدركت أكثر من أي وقت مضي أن إيران لاعب ذكي علي الساحة الإقليمية وأن فكرها بعيد عن منطلقات تنظيم القاعدة وعندما أوفدني رئيس مجلس الشعب ممثلا له في حضور المؤتمر الدولي الذي عقد في طهران قبل ذلك لدعم الشعب الفلسطيني وشارك فيه رؤساء برلمانات الدول العربية والإسلامية وحضرته رموز المقاومة العربية من أمثال حسن نصر الله وخالد مشعل ورمضان شلح وغيرهم, حيث تحدث في بداية المؤتمر المرشد العام علي خامنئي في كلمته الافتتاحية عن بسالة حزب الله وقدرته علي استرداد حرية الجنوب اللبناني دون أي التزام قانوني أو تفاوض مع إسرائيل ثم فوجئت به يضيف أن ما حدث يختلف عن مصر السادات التي استردت أرضها بمقابل كبير وتوقيع اتفاقية السلام التي كبلت حركتها وأدت الي حيادها العسكري في الصراع وهو الأمر الذي دفعني الي أن أضمن كلمتي في المؤتمر ردا واضحا علي المرشد العام أشير فيه الي النية الوطنية للرئيس السادات ودوافعه القومية في اجتهاده الذي أدي الي استعادة الأرض في وقت خذله فيه العرب وتركوه وحيدا في الساحة أمام إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية, أقول ذلك كله لكي أتقدم الآن ببعض النقاط حول العلاقة بين حزب الله والدولة المصرية: ـ
أولا:ـ إن مصر ركزت دائما علي القضية الفلسطينية باعتبارها جوهر الصراع العربي الإسرائيلي وليس يعني ذلك أنها لم تهتم بالأراضي العربية الأخري المحتلة, ولكن ما نريد القول به هو أنها أعطت دائما الوضع في فلسطين المحتلة جل اهتمامها بحكم الجوار الجغرافي والوزن السياسي الذي تشعر به, لذلك كان اتصال مصر بحركة فتح مستمرا منذ ميلادها عام1965, كما كانت لها جسور أيضا مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما من فصائل المقاومة الفلسطينية ولكن ظلت دائما علاقتها بحزب الله محدودة بل ومتباعدة بحكم تباين المنطلقات, كما أن العلاقات المصرية ـ الإيرانية التي اتسمت بالبرود لسنوات طويلة قد انعكست هي الأخري علي علاقات القاهرة بذلك الحزب وقيادته.
ثانيا: ـ إن الشيعة كانوا هم دائما ثوار الدولة الإسلامية وقفوا علي يسار دولة الخلافة ولعبوا دورا فاعلا في المشرق العربي وفي المغرب أيضا, كما أنهم وفقا لمذهبهم يؤمنون بروح الإسلام المجاهدة وفكره المقتحم ولا تخلو فلسفتهم من دهاء سياسي وتقية يجيدونها في التعامل مع الآخر وهو ما أكسبهم دورا مؤثرا علي مسرح الأحداث حتي إنه في آخر دولة إسلامية, حيث كانت الخلافة العثمانية سنية المذهب, بينما الدولة الصفوية في إيران شيعية المذهب, لم يكن الخلاف الديني واردا لأن الأرضية المشتركة قد جمعت بين المسلمين دائما فالخلافات بين أهل السنة والشيعة الأثني عشرية خصوصا محدودة, كما أن صلاة أتباع المذهبين جائزة في كل المساجد والحسينيات, كذلك فإن حوزة النجف في العراق تنافس حوزة قم في إيران وتعطي بدورها زخما لعروبة الشيعة لا يجب تجاهله, فالشيعة العرب جزء لا يتجزأ من هذه الأمة عبر تاريخها كله.
ثالثا: إن مصر التي أقول عنها دائما إن شعبها سني المذهب شيعي الهوي قد حظيت باحترام الشيعة ـ عربا وغير عرب ـ باعتبارها الحاضنة للدولة الفاطمية وهي أول دولة شيعية في التاريخ الإسلامي بكل ما تركته من آثار علي الطقوس والاحتفالات الدينية لأهل البيت في مصر وما ارتبط بها من موالد ومزارت وأضرحة واحتفالات رمضان وعاشوراء وغيرها من مظاهر الروح الشيعية لدي مصر السنية, لذلك فإنني أرفض أن يصنف حزب الله علي أنه فصيل شيعي بل إنني أراه تنظيما إسلاميا جهاديا لمقاومة جرائم إسرائيل وسياساتها العدوانية, كما أنني لا أخفي ــ رغم اختلافي معه في المنطق والفكر ـ إعجابي بالسيد حسن نصر الله وحصافته وذكائه وقدرة حزبه علي التكتيك السياسي الذي أوصله في مراحل سابقة الي حد تبادل الأسري ورفات القتلي مع الدولة اليهودية.
رابعا: ـ إنني لا أظن أن هناك مشكلة بين حزب الله ومصر نتيجة موقف القاهرة الأخير تجاه ما جري علي الساحة اللبنانية وإحساسها بعدم وجود التنسيق المطلوب مع لبنان الدولة وجيرانه العرب, كما أحسب أن لبنان المقاومة قد تفهم موقف مصر والسعودية والأردن بشيء من المرارة الهادئة, ولكنه لم يفتح معها جبهات للتراشق الإعلامي أو الشجار العلني, بل إنني أظن في هذه النقطة بالذات أن أصواتا طائفية وحزبية في لبنان ذاته قد تجاوزت في انتقادها للحزب بيانات الدولة العربية المعتدلة, حيث زعمت أن حزب الله قد خطف الدولة اللبنانية وربما أمته العربية كلها لحسابه وحده.
خامسا: ـ إن مصر التي يجب أن تفتح جسورا مع كل القوي في المنطقة قد تتحاور مع حزب الله في مرحلة ما برغم اختلاف المنطلقات وانعدام الأرضية المشتركة إذ إن مصر باعتبارها أكبر دولة عربية لا تفرق بين الشيعة والسنة ولا تستسلم لما يتردد من مخاوف عن أجندة إيرانية لتشكيل ما يسمي بالهلال الشيعي لذلك فهي مطالبة بالتعامل مع كل القوي والحركات السياسية في المنطقة بحكم مكانها ومكانتها.
.. هذه ملاحظات أردنا منها أن نقول إن العلاقة بين مصر وحزب الله ليست سيئة, ولكنها ليست جيدة في الوقت ذاته, وهو ما يدعو الي تقويم موضوعي لدور هذا الحزب المقاتل, وإذا كانت إسرائيل قد حققت مرحليا بعض أهدافها فنحن نعترف بأن القوة تهزم الشجاعة وسوف نظل ننتظر يوما تسيطر فيه المصلحة القومية العليا في كل العواصم العربية.
جريدة الأهرام
http://www.ahram.org.eg/Archive/2006/7/25/WRIT1.HTM