رأيت فيما يرى النائم فيلمًا وثائقيًا عن مصر عام 2050، أى بعد أكثر من ثلاثين عامًا، ولفت نظرى أن الدولة أصبحت إلكترونية بالكامل، وأن التعامل الرقمى هو السائد دون غيره، وشهدت احتفالًا بتشكيل حكومة ائتلافية، تضم شخصيات سياسية من الأحزاب الثلاثة الأكبر، وعلمت أن هذه الأحزاب تشكل فيما بينها أغلبية مجلسى النواب والشيوخ، وفوجئت أن الصحافة أصبحت كلها إلكترونية تقريبًا، ولم تعد هناك إلا صحيفة ورقية واحدة تصدر على سبيل التذكار، وقد لفت نظرى أن الدعوة الدينية والإفتاء يخضعان لقواعد صارمة لا تسمح بوجود الدخلاء، كما علمت أن «بيت العائلة» قد تطور ليصبح مفوضية وطنية ضد التطرف والعنف المستند لأسباب دينية مغلوطة، وقد فوجئت أيضًا فى بعض لقطات الفيلم أن التدفق السياحى قد بلغ درجة عالية تصل إلى خمسين مليون سائح سنويًا فى مصر التى تجاوز سكانها- حينذاك- مائة وخمسين مليون نسمة، ولكن الذى لفت نظرى أكثر هو أن الثورة التعليمية قد تجاوزت كل التوقعات، فاسترد التعليم المصرى مكانته وتبعه البحث العلمى ومعهما الثقافة، حيث استيقظت القوى الناعمة للدولة المصرية، وأصبحت مركز الإشعاع فى المنطقتين العربية وحوضى النيل والبحر المتوسط، وقد فوجئت أن عدد الجامعات أصبح يتجاوز السبعين جامعة فى مختلف التخصصات الجديدة والتوأمة مع الجامعات الكبرى فى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان والهند، أما التأمين الصحى فقد شمل كل شرائح الشعب تقريبًا ووصل إلى الفقراء وسكان القرى النائية.
... ولم يعد هناك مبرر للعلاج فى الخارج، فكفاءة الأطباء المصريين تفوق غيرها خصوصًا أن استثمارات عربية ودولية قد أقامت مستشفًى مجهزًا فى كل محافظة لعلاج الحالات الصعبة والأمراض المستعصية ويلحق بكل منها مركز للأبحاث، والمشروع فى مجمله على مستوى الدولة يحمل اسم نابغة الجراحة المصرى العالمى «مجدى يعقوب» بينما تحمل أكبر جامعة جديدة فى مصر اسم عالم نوبل «أحمد زويل» وتحمل المؤسسة الثقافية الشعبية اسم «نجيب محفوظ» تحت عنوان «ابن الحارة المصرية»، ولكن الذى أسعدنى كثيرًا بين مشاهد ذلك الفيلم أن مشكلة السكك الحديدية قد جرى حلها بأسطول سريع من القاطرات المتقدمة تكنولوجيًا والعربات اللائقة إنسانيًا، وشاهدت أيضًا أن مصر 2050 قد أنشأت مقبرة على ربوة عالية فوق جبل المقطم تحوى رفات زعمائها الكبار وحكامها المخلصين، خصوصًا أن مجمع الأديان فى منطقة مصر القديمة قد جرى تطويره سياحيًا بشكل رائع لجذب السياح اليهود والمسيحيين والمسلمين من أنحاء المعمورة،
ودققت بحكم الوظيفة فيما جرى لـ«مكتبة الإسكندرية»، فوجدتها شامخة على الشاطئ الجنوبى لبحيرة الحضارات يؤمها طلاب المعرفة من بقاع الأرض، ولها فروع فى عدد من العواصم الدولية ذات الولع بالسلعة الثقافية القادمة من بلد الحضارات والثقافات والديانات، وعلمت أن النواة الأولى لذلك بدأت من المكتب الثقافى فى «لندن» وأكاديمية الفنون فى «روما» والمركز الإسلامى فى «مدريد»، فأدركت أن مصر بدأت تعرف قيمة ما تملك، وتوجه بصرها نحو العالم الخارجى الذى لا يعرف العزلة، ولا يقبل الانزواء بل ينظر إلى الدور المصرى دائمًا، باعتباره رائدًا فى منطقته ومؤثرًا فى عالمه، وقد قيل لى إن الإمام الأكبر يلقى أسبوعيًا دروسًا دينية بين صلاتى العصر والمغرب فى واحد من المساجد التاريخية، خصوصًا بعد أن تم القضاء على الفكر العفن والجماعات المتطرفة، وعاد للإسلام نقاؤه ووسطيته وسماحته، كما أن بابا الأقباط يشيد دائمًا بتراجع النزاعات الطائفية والجرائم التى كانت تستهدف الكنائس منذ عدة عقود، ورأيت من قبيل التلصص أن أحضر جلسة لمجلس النواب ووجدت إشادة قوية بالقضاء المصرى وعودة العدالة الناجزة ونزاهة رجالها العظام، وعندما وصلت إلى مبنى مجلس الشيوخ سمعت تصفيقًا حادًا من أعضائه لإعلان رئيسه خبرًا دوليًا مفاده أن الجيش المصرى أصبح واحدًا من أكبر سبعة جيوش فى العالم وأكثرها مهنية وتنظيمًا وشرفًا بينما حازت الشرطة المصرية على تقدير دولى كبير لكفاءتها فى تعقب الجريمة المنظمة وقدرتها على حماية السياحة المصرية وضمان استقرار البلاد، عندئذ أيقظنى جرس «المنبه» الملعون ليحرمنى متعة ما شاهدت، ووجدتنى أفرك عينى فى غيظ عندما اكتشفت أن ما رأيته كان شيئًا بين الأحلام والأوهام، فدعوت الله أن يتحقق ذلك فى قادم الأيام
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1365416