يحدونى تفاؤل بأن تأخذ العلاقات المصرية السعودية مسارًا جادًا فى التعاون المشترك الذى يحقق المنافع المتبادلة بين الدولتين الشقيقتين، وأظن أن البحر الأحمر يمكن أن يكون هو مجال ذلك التعاون فالدولتان لا تتنافسان ولكن تتكاملان إذ إن ذلك البحر هو بحيرة عربية بالدرجة الأولى خصوصًا من (باب المندب) إلى (قناة السويس) ومصر والسعودية هما أكبر دولتين متشاطئتين عليه، لذلك فإن الأبعاد الاستراتيجية توحى للوهلة الأولى بضرورة التعاون المصرى السعودى فى البحر الأحمر بما يحمله من قيمة استراتيجية وأهمية (جيوبلوتيكية)، إنه البحر الذى تطل عليه مدن مصرية مهمة فى مواجهة مدن سعودية لها ذات الأهمية لذلك فإنه يكون من الطبيعى توظيف ذلك المجرى المائى الحيوى لخدمة الأهداف القومية العليا وتأكيد الدلالات التى تتصل بالتجانس الثقافى والتقارب البشرى والامتداد الحضاري، وقد كنت أظن دائمًا أن بلاد الشام والجزيرة العربية ومصر يمكن أن يكونوا وحدة سياسية متكاملة فى غرب آسيا تمد ذراعها إلى دول شقيقة فى الشمال الإفريقى وتلتقى معها فى الهوية العربية الواحدة والقيم الروحية المشتركة، ولعلى أطرح هنا - فى حياد كامل - التصورات التالية: أولًا: إن جزءًا كبيرًا من التاريخ العربى فى هذه المنطقة قد نشأ على ضفتى هذا البحر الممتد الذى كان طريقًا للهجرات ومعبرًا للغزوات خصوصًا قبل حفر قناة السويس عندما كان الامتداد الأرضى يتلاحم مع المجرى المائى ويسمح بالحركة البرية بين القارتين الآسيوية والإفريقية.
ثانيًا: لقد تابعت - مثل غيرى - الدراسات التى تشير إلى عقد مؤتمرات للدول المتشاطئة على ذلك البحر بغية التنسيق بينها واحترام المصالح المتبادلة فيها، بل إن الحديث الذى تردد عن إمكانية إنشاء منظمة تضم دول البحر الأحمر ويكون التعاون السعودى المصرى نواة لها قد لقيت اهتمامًا كبيرًا من الباحثين السياسيين والجغرافيين والمؤرخين فى محاولة لاستكشاف احتمالات المستقبل وآماله الواسعة. ثالثًا: إن المشروعات السياحية الكبرى والمنتجعات الرائعة تلتقى مع عدد من الدراسات الواعدة التى تجعل السياحة فى منطقة البحر الأحمر أملًا يراود كل ذى بصيرة، ويكفى أن نتذكر أن قاع ذلك البحر هو بمنزلة حدائق يفوق جمالها الخيال فضلًا عن أنواع من الكائنات البحرية النادرة التى يتميز بها ذلك البحر عبر تاريخه الطويل. رابعًا: إن وجود مهبط الوحى ومبعث الرسالة قرب ضفته الشرقية وطور سيناء التى تحدث فيها موسى كليم الله مع ربه قرب ضفته الغربية تجعل ذلك البحر مصدر إلهام روحى فهو بحق بحر الأنبياء كما يقولون، ولقد عكفت الكثير من الدراسات على إظهار أهمية ذلك البعد الثقافى الذى تتميز به مجموعة الدول المطلة على ذلك البحر فى القارتين الآسيوية والإفريقية فهو لا يفصل بينهما ولكن يفتح طريقًا تاريخيًا للتجارة العابرة بين مضايقه وشواطئه ومدنه.
خامسًا: إن التعددية التى تتميز بها الشعوب المطلة على شواطئ البحر الأحمر تقدم ميزة التنوع رغم اعترافنا بالتشابه فى الأصول والاشتراك فى التراث الإنسانى الثرى الذى تتمتع به بعض دول البحر الأحمر من بيئات متعددة ومجتمعات متنوعة لا تفرقها الجغرافيا بل يجمعها التاريخ. سادسًا: إن ثروات البحر الأحمر هى حق لشعوبه لذلك يجب أن يظل ذلك البحر آمنًا بحيث تكون هناك قوات دفاعية مشتركة تحميه وتحول دون تمكين القراصنة ومن يحاولون ممارسة الإرهاب خصوصًا فى المناطق الجنوبية منه، كما أن الأهمية الاستراتيجية فى مضايق (تيران) إلى جانب الأهمية الكبرى لقناة السويس هى أمور تضيف هى الأخرى بعدًا استثنائيًا لأهمية ذلك البحر المفتوح. سابعًا: إن البحرية المصرية صاحبة البطولات الكبرى فى البحر الأبيض المتوسط تلتقى مع القوات البحرية للدول الشقيقة فى البحر الأحمر وفى مقدمتها المملكة العربية السعودية محتوية أيضًا الإمكانات المتاحة لدول أخرى مثل السودان واليمن وصولًا إلى جيبوتى بموقعها الاستراتيجى الفريد حتى لاحظنا فى السنوات الأخيرة تكالبًا واضحًا للحصول على ميزات عسكرية فى صورة قواعد ثابتة أو متحركة فى جنوب ذلك البحر الذى تتزايد أهميته وتتعاظم ثرواته وتطفو أهميته الاستراتيجية على سطح الأحداث خصوصًا فى منطقة باب المندب والفوضى التى عانتها بعض الدول ومنها دولة الصومال الشقيقة.
إن الملاحظات الواردة فى النقاط التى أشرنا إليها تدعو الدولتين - مصر والسعودية - إلى مزيد من التعاون فى نطاق البحر المشترك الذى يجمعهما بدول عربية وإفريقية ويدعو إلى مزيد من الدراسة والفهم المتبادل والوعى بأن الأمن القومى لدول ذلك البحر يحتاج إلى رؤية لا تقبل التجزئة وإدراك عميق يتجاوز الخلافات الطارئة والمنافسات العابرة والنزاعات الوقتية وليس المهم أن تكون المبادرة مصرية أو سعودية بل الأهم أن تصب فى مصلحة الدولتين المهمتين سياسيًا واقتصاديًا وبشريًا، وسوف نتطلع دائمًا إلى يوم نرى فيه منظمة إقليمية لدول البحر الأحمر تستطيع التنسيق بين الأطراف المتصارعة فوق مياهه أو المتباعدة بين شماله وجنوبه فالبحر يمثل وحدة شاملة لا تقبل التجزئة ولا تعرف الانقسام ولا تقبل الفرقة، وسوف نتطلع جميعًا إلى أن يتحول البحر الأحمر إلى ركيزة استقرار وبحيرة سلام تنعم الدول المطلة عليه بقواسم مشتركة تدفع نحو التعاون وتمنع المحاولات الأجنبية لاستغلاله وبناء القواعد العسكرية على شواطئه حتى يبقى البحر الأحمر رمزًا للتعاون الآسيوى الإفريقى تحت مظلة العروبة بحيث تكون حمايته هى مسئولية دوله بعيدًا عن الضغوط الخارجية والأطماع الدخيلة، فالبحر الأحمر هو بحق بحيرة تاريخية مفتوحة عبر الأزمنة وعلى امتداد العصور.
جريدة الأهرام
http://www.ahram.org.eg/NewsQ/695680.aspx