الدستور وثيقة مُنشئة وكاشفة فى نفس الوقت، فهو يخرج من توصيف الحاضر وخبرة الماضى ليصوغ المستقبل، من هنا فهو أهم وثيقة فى البلاد وأكثرها تأثيراً فى مناحى الحياة المختلفة، لذلك فإنه يتمتع باستقرار نسبى، ومن غير المُستحَبّ العبث به أو العدوان عليه، ولكنه أيضاً ليس صنماً يُعبد أو مزاراً مقدساً نطوف حوله، لذلك فإنه ابن ظروفه ووليد البيئة الثقافية والاجتماعية والمناخ السياسى، إنه ليس كياناً لقيطاً، بل هو ابن شرعى للوطن فى ظروف معينة، يستوعب كافة التغييرات ويتهيأ لكل الاحتمالات، لذلك فإن الذى وضعه- وهو الشعب- قادر على تعديله إذا اقتضت الضرورة ذلك لصالح البلاد والعباد، شريطة ألا يكون الأمر صادراً عن غايات محدودة أو أهداف ذاتية، ولعلنا نشير هنا إلى الملاحظات التالية:
أولاً: إن دستور 2014 قد صدر فى مرحلة ضبابية نتيجة آثار ما جرى بين انتفاضتى الشعب المصرى فى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، وبذلك انعكست عليه روح تلك المرحلة الانتقالية بكل ما لها وما عليها، فركز واضعوه على ردود الأفعال لفترات سابقة وربما تصفية حسابات مع نظم سقطت، فكانت لغته تنطق بالمعاصرة والرغبة فى التجديد وإغلاق الأبواب والنوافذ على الماضى حتى لا يعود من جديد، وذلك أمر لا بأس به..
.. ولكن الأمور تغيرت والأحوال تبدلت وأصبحنا نفكر فى المستقبل بطريقة مختلفة، بعد حزمة كبيرة من القرارات غير التقليدية اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، كما أن المناخ العام قد تغير، والبيئة الحاضنة للعمل السياسى قد تحولت هى الأخرى، لذلك لم يعد مستغرباً أن يكون هناك تفكير فى تعديل دستورى يستوعب معظم المستجدات التى حدثت فى السنوات القليلة الماضية، ويكفى أن نتأمل ديباجة دستور 2014 التى تلخص لنا المزاج العام لواضعى ذلك الدستور، وفيهم نسبة من النشطاء السياسيين أكثر مما فيهم من الخبراء الدستوريين، كذلك فإن المزاج الشعبى حالياً أكثر إحساساً بالواقع وانصياعاً لضرورات بناء المستقبل وتشييد دعائمه، بعد معاناة معيشية فى السنوات الأخيرة تحملها الأغلب الأعم من المصريين لأنهم يدركون أننا على الطريق الصحيح من أجل مستقبل أفضل.
ثانيًا: تمر مصر بمرحلة مختلفة عما كانت عليه منذ سنوات قليلة مضت، فالدولة تستعيد هيبتها والأمن يسترد جزءاً كبيراً من عافيته، فضلاً عن تطورات أخرى شهدتها المنطقة، جعلت المصريين يشعرون بأن قوله تعالى: «الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف» إن لم ينطبق عليهم فى النصف الأول من الآية الكريمة، فإنه قد تحقق فى نصفها الثانى، ولا أدّعى أن كل الأمور وردية، ولكن أزعم أن خارطة الطريق تبدو أكثر وضوحاً من ذى قبل، لذلك فإن ترجمتها من خلال تعديلات ضرورية لبعض مواد الدستور هى أمر وارد، بل كان متوقعاً منذ فترة مضت، إذ إن مدة الرئاسة لا ينبغى أن تقل عن مدة دورة برلمانية أو لا تفى باستكمال خطة خمسية، كما أن غابة التشريعات تقتضى عودة مجلس الشيوخ لكى يكون معيناً لمجلس الشعب فى مهمته التشريعية- ولا أقول رقابياً- لأن زحام المشروعات التنموية والاستثمارات العقارية يقتضى زخماً تشريعياً لم يكن مطلوباً من قبل، فضلاً عن أن مجلس الشيوخ يمكن أن يضم خبرات نادرة وكفاءات عالية تأتى بالتعيين ولا تجد سبيلاً للوصول عن طريق الانتخاب.
ثالثاً: تتميز المرحلة القادمة بالتوسعات المحتملة والإجراءات الكثيرة، التى يمكن أن تضع قيداً على هامش الحرية ولو لفترة مرحلية يجب أن يتفهم الجميع دلالاتها، إذ إن بناء الدولة الحديثة يحتاج قدراً كبيراً من التضحية، التى تقترن أحياناً بالتضييق على الحريات لفترات محددة تمهيداً لانفراجات واسعة حين يتأكد الاستقرار وتنجح عملية التحديث الشاملة للبلاد، وهذه نقطة جوهرية تحتاج إلى وعى المواطن المصرى بطبيعة المرحلة وما يرتبط بها من تحديات خارجية وضغوط داخلية، مدركين أن زراعة الأمل لدى الأجيال الجديدة هى فى حد ذاتها دليل على صواب الفكرة ومؤشر على وضوح الرؤية.
إن التعديلات الدستورية- أى تعديلات دستورية- يجب أن تخضع لتدقيق شديد لأن الوثيقة العليا للبلاد لا تتغير ولا تتعدل إلا أمام الضرورات التى تقتضيها مصلحة البلاد ويجرى حولها توافق عام يعبر عن إرادة الأمة، ويجب الحذر من أى تعديلات تمس جوهر الحريات حتى تبقى للوثيقة مكانتها الرفيعة وهيبتها الدائمة، كما أن التعديلات لا تتم من أجل أهداف قصيرة المدى، بل يجب أن تنظر بعيداً للمستقبل القادم والأجيال المقبلة، أعود فأكرر إن الدستور ليس صنماً يُعبد ولا مزاراً مقدساً، ولكنه أيضاً ليس وثيقة عادية يُستباح تعديلها ما لم يكن ذلك تجسيداً لإرادة أمة ورغبة شعب ومصلحة دولة!
دكتور متقعر على نفسه.. أكد أن قيمه الجنيه المصرى زمان كانت أكثر من الإسترلينى.. ويتناسون أن المواطن زمان كان يعانى الجهل والفقر والحفاء.. وكان المشروع الأول لكل حكومة جديدة هو القضاء على الحفاء.. يتناسون أن جمال عبدالناصر قضى على الثالوث بضربة معلم.. وأخرج الإنجليز بعد احتلال سبعين عاما.. ثم خاض معارك التنمية وبنى المصانع والمزارع والمستشفيات.. ووفر الطعام لكل فم ومع هذا يصف المتقعر هذه السنوات بأنها سنوات التراجع..!!
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1369663