إن أسوأ ما يصيب المجتمعات هو أن تسيطر عليها أجواء الكراهية وتصبح أسيرة للعداء وفريسة للتراشق وسبيلًا لرفض اختيارات الغير والإقلال من شأنه ورفض أفكاره والاستخفاف بآرائه، إن بيننا من البشر من يمثلون المعادن الرديئة التى تجيد التطاول على الغير وتردد شعارات جوفاء كالببغاوات غير المدربة فهم يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون، إن أسوأ ما تنكب به الشعوب هو أن تشيع بين أفرادها موجات كراهية لا مبرر لها فالكل يعتبر نفسه حالة خاصة ويرى أنه وحيد زمانه وأنه مخلوق لا نظير له فتبدو فكرته عن ذاته أبعد ما تكون عن الواقع وأقرب ما تكون إلى الوهم ويستعصى على هذا النمط من البشر أن يدرك أن الدنيا له ولغيره وأن فيها متسعا لسواه فينظر إلى الأمور من ثقب صغير لا يسمح له بوضوح الرؤية أو اتساع رقعة المعرفة فهو أسير النظرة الضيقة وحبيس الإطار المحدود، وأنا أسوق هذه الصورة القاتمة لكى أعبر عن قطاع من البشر تحولت مشاعره تجاه الغير وأصبحت مصدرًا للفتن ومركزًا للشائعات لا يرى صاحبها إلا نفسه فى مرآة الحياة ولا يحترم غيره وإذا رأى نموذجًا ناجحًا فإنه يهرول نحوه لا ليصعد إليه ولكن ليجذبه إلى أسفل، إنها محنة الشعوب فى مراحل التحول عندما تمضى بها الأحداث إلى إسقاط بعض الرموز وتهاوى بعض القيم واختفاء النموذج والقدوة، وأنا أدعو هنا مخلصًا إلى ضرورة التركيز على سيكولوجية الشعب المصرى فى السنوات الأخيرة وكيفية إخراجها من النفق وتمريرها من عنق الزجاجة حتى نصبح أمام أجيال سوية تدرك العالم من حولها وتقف على أرضية وطنية ثابتة لذلك فإننى ألوذ بصديقى العزيز العالم الدولى أحمد عكاشة لتفسير كثير من هذه الأمور المعقدة والظواهر الطارئة خصوصًا أننا شعب عريق لديه تراكم طويل من القيم والتقاليد والمبادئ والأفكار، ولعلى أطرح هنا ملاحظتين مهمتين:
أولاهما: إننا شعب لا يصدأ معدنه لكنه يختفى فقط تحت ركام الأحداث وبفعل الصدمات النفسية التى يتعرض لها من حين لآخر، فالشعوب كالأفراد تفرح وتحزن تتفاءل وتتشاءم ترضى وتكره، وكلما كانت المحن شديدة والأزمات متوالية فإن الإنسان ينظر حوله فى قلق ويفتش فى أعماقه عن الجذور الصالحة طلبًا لنبت صالح أيضًا بعيدًا عن التربة الملوثة والهواء الخانق، ولذلك فإننى أظن صادقًا أننا فى مصر نحتاج إلى جيش من أساتذة الاجتماع والدراسات السلوكية والنفسية لطرح رؤية واقعية لمستقبل أفضل بدلًا من الدوران حول الأحداث والمواقف بدهشة زائدة من منظار عبثى لا يستوعب الحقيقة ولا يبدو مستعدًا للتعامل مع المشهد بكل تداعياته.
ثانيتهما: إننا نجد فينا أفرادًا متميزين علمًا وخلقًا، فكرًا ورؤية، عاطفة وشعورًا ولكن هذه النوعية المتميزة تضيع فى زحام المعوقات التقليدية فى حياتنا ودوافع الغيرة التى تطمس كثيرًا من إيجابيات الآخرين، ولست أشك فى ضرورة التركيز فى نظامنا التعليمى الجديد على السلوكيات بدءًا من آداب الحديث مرورًا بأساليب الحوار وصولًا إلى احترام وجهة النظر التى نختلف معها حتى نخرج من دائرة الصدام الدائم بين أبناء المهنة الواحدة أو الحرفة المشتركة.
إن دافعى فيما أكتب هو ما لاحظته مؤخرًا من عبارات نابية وألفاظ جارحة من بعض الشخصيات تجاه بعض الرموز الوطنية التى تستحق الاحترام وتستوجب التقدير، فنحن نريد أن نعلى من القيم التى آمن بها الآباء والأجداد وأن نعيد للمجتمع المصرى رونقه باستعادة الآداب المستقرة والأخلاقيات التى تعبر عن مناخ المحبة وبيئة المودة وترفض تمامًا كافة مظاهر الكراهية وكل أسباب الحقد ما دمنا نتطلع إلى مجتمع ناهض تسوده مظاهر الحق والخير والجمال، إننا لا نحلق فى سماوات الأحلام ولكننا ندعو إلى ميلاد روح جديدة تتفق مع الدولة الحديثة التى ننشدها والتى تحيط بها كافة المؤثرات من تكنولوجيا حديثة وقيم عصرية وغايات لم تكن مطروحة من قبل، إننا أمام فصل جديد من كتاب الحياة يحتاج إلى تعامل مختلف ورؤية جديدة وفكر استباقى خلاق يقوم على المبادرة ويضخ الطاقة الإيجابية ويبتعد عن كافة الشوائب التى طرأت على حياتنا فى السنوات الأخيرة وينبذ خطاب الكراهية الذى ساد حياتنا على نحو غير مسبوق.
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1371541