عندما كنا صغارًا كنا نتظاهر بأننا كبار، ونتصور أنه كلما تقدم بنا العمر تزداد قيمتنا، وقد يكون ذلك صحيحًا ولكن ليس على إطلاقه؛ فالشباب ربيع العمر، والرجولة شعار الكرامة، والكهولة هي النضوج الكامل، بينما الشيخوخة هي مرحلة أخرى تبدو أقرب ما تكون إلى تعبير «صقيع العمر»؛ حيث يلوك المرء ذكرياته، ويجتر أحزانه، وتفيض عليه التجربة بخبرات لا يحوزها قبل ذلك، لهذا فإننى من دعاة المصالحة بين مراحل العمر المختلفة والحيلولة دون صراع الأجيال لأن تلك المراحل سوف نمر بها جميعًا، فالجميع متساوون في لحظة الميلاد، وأظن أنهم كذلك أيضًا في لحظة الرحيل، وما بينهما قد تتعاظم المناصب وترتفع الأقدار، وتتعدد المواقع، ولكن يبقى الإنسان في النهاية هو سيد قدره ومصيره، وصاحب الإرادة التي تتجه بصاحبها إلى آفاق جديدة وتوجهات إيجابية يسهم بها الفرد في الارتقاء بذاته والصعود بمكانته والولاء لوطنه ولأسرته، دعنى أطرح على القارئ الملاحظات الآتية
أولًا- إن اهتمام الدولة بالشباب أمر طبيعى، وله أولوية تفوق غيره من الأهداف والغايات؛ إذ إن علينا أن نسعى لكى نضعه في الصدارة، لأنه صاحب الحق في المستقبل، كما أن أي مصادرة لفكره أو قمع لشخصيته هي تجاوز حقيقى للحدود المرسومة لمستقبل الوطن، ولقد دعتنى أكاديمية الشباب لإلقاء محاضرة على أبنائنا وبناتنا، وقد أدركت مع كل لحظة قضيتها هناك أن الأمل لا يتجدد إلا بهذه الدماء الدافقة بالحيوية النابضة بحب الوطن المؤمنة بالعلم والتكنولوجيا طريقًا للمستقبل، كما أننى لاحظت أن فهمهم لدينهم فهم وسطى عصرى لا ضبابية فيه ولا شطط، فمعهم أزهرى رائع غزير الثقافة واسع المعرفة هو الدكتور «أسامة الأزهرى»، كما أن مديرة الأكاديمية مصرية فاضلة بعلمها وخلقها وهى الدكتورة «رشا راغب».
ثانيًا- لقد عادت بى الذاكرة وأنا في أكاديمية الشباب إلى خمسين عامًا مضت أو أكثر عندما كنت واحدًا من أعضاء منظمة الشباب العربى الاشتراكى، ورغم الفارق الكبير بين التجربتين، فالقاسم المشترك بينهما هو أن وجود كل منهما يعطى أملًا في المستقبل، ويفتح طريقًا إلى الغد ويسعى لتكوين الشخصية السوية للشاب المصرى الذي تقف على أكتافه أمتنا الصاعدة.
ثالثًا- إننى أدرك أن العصر غير العصر، وأن الدنيا تحولت، ومصر تبدلت، ولكن الأمر الذي لا جدال فيه هو أن التطور التكنولوجى يلعب دور المتغير المستقل في كل ما نراه، ونعلمه ونتفاعل معه، إننا أمام جيل الإنترنت وشباب تكنولوجيا المعلومات؛ حيث تغيرت مظاهر الحياة وطقوس المجتمع وفقًا لذلك، وإذا كانت التكنولوجيا الحديثة هي توظيف العلم في خدمة الصناعة، فإن الأرستقراطية الفكرية هي توظيف الثروة في خدمة الثقافة لذلك، فإننى أهيب بالقادرين من أبناء مصر، وفى مقدمتهم رجال الأعمال بأن يضعوا نصب أعينهم الأهمية البالغة لتوعية الشباب وتدريبه؛ إذ إن ذلك هو جوهر التقدم وقاطرة التنمية وسبيلنا إلى مجتمع مختلف نتحرك فيه جميعًا بخطوات منتظمة وقفزات ملموسة نحو غايات تأخر وصولنا إليها وتاهت أهدافنا فيها، إن رجال الأعمال هم القادرون على مواجهة قنبلة الفقر الموقوتة والأخذ بيد الطبقات الأكثر عددًا والأشد فقرًا، من خلال توفير فرص العمل والتركيز على عنصر التشغيل فضلًا عن إقامة المشروعات التنموية التي تتماشى مع أهداف البلاد وخطة الحكومة بشأنها.
رابعًا- واهم من يتصور أن التحولات الجذرية الحالية في نظامنا التعليمى سوف تفرز بين يوم وليلة من يأخذ بيد الوطن، ويمضى به إلى الآفاق المنشودة، فالأمر يحتاج إلى سنوات والعلم وحده لا يصنع الإنسان السوى، كما أن التعليم لا يصقل وحده شخصية الشباب؛ إذ لا بد من رؤية شاملة وفكر عصرى مستنير يفتح الطريق أمام العقول المبتكرة وأصحاب المواهب النادرة وذوى الفكر الخلاق.
إن بناء المدن وصناعة هياكل الإنتاج هي أمور يمكن تحقيقها بحسابات محددة، ولكن تربية الشباب وتأهيل الأجيال الجديدة أمر يختلف تمامًا، لأن تكوين الإنسان هو تركيبة معقدة من المشاعر والأحاسيس فضلًا عن الانتماءات والتجارب الذاتية، لذلك فإن تربيته سياسيًا وتوعيته وطنيًا هي واحدة من أسمى الغايات قبل أن يدلف إلى حلقات الرجولة وسنوات الكهولة وقمة المعارف والخبرات عند صقيع العمر.
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1375644