درجنا في العقود الخمسة الأخيرة علي تكرار الحديث عن عروبة مصر والتي اكتمل مضمونها السياسي مع قيام الثورة المصرية عام1952, إذ كان مفهوم العروبة في مصر قبل ذلك مقصورا علي البعدين الديني والثقافي, ولم يكن قد حدث تتويج واضح للبعد السياسي للعروبة في العقل المصري الا مع نهاية الأربعينات, فمنذ انفرط عقد الامبراطورية الاسلامية الواحدة بسقوط دولة الخلافة علي يد أتاتورك ثم اخفاق الثورة العربية الكبري بقيادة الشريف حسين وتقلص دور الهاشميين الي مملكة صغيرة شرق نهر الاردن, حيث بدت مظاهر الرابطة العربية السياسية ضعيفة الحلقات متهاوية البناء اذ ذهبت كتابات عبدالرحمن الكواكبي وشكيب ارسلان ادراج الرياح رغم الحديث الدائم عن يقظة العرب منذ ان حمل المفكرون الشوام لواء الدعوة للقومية العربية في بلادهم, وفي دول المهجر في ظل مواجهة حادة مع التسلط التركي في العقود الأخيرة من انهيار الامبراطورية العثمانية خصوصا منذ مارست حركة الاتحاد والترقي دورا عنصريا مؤثرا, حتي بدأ انفراط عقد الامبراطورية من مصر والبلقان, ثم الشرق الاوسط بتأثير صراعات القوي الاوروبية حول توزيع تركة الرجل المريض, فتمخض ذلك كله عن توجه قومي وحدوي أسهمت فيه حركات سياسية وتنظيمات حزبية من مثل حزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب, وحركة الوحدويين الاشتراكيين الي جانب احزاب اخري ذات مفهوم متحفظ للمضمون القومي لعل من اهمها الحزب القومي السوري, والذي يهمنا في هذا المقام هو ان نؤكد ان مصر كانت بعيدة الي حد كبير عن تلك التيارات التي يدور محورها حول القومية العربية بالقبول او التحفظ او الرفض.
فلقد اتصفت الحركة الوطنية المصرية منذ بدايتها بطابع مصري اسلامي لأن المواجهة كانت مع القوي الغربية المسيحية ولم تكن ضد الدولة العثمانية المسلمة, وانعكس ذلك الأسلوب الخاص علي الثورة العرابية كما ظهر في توجهات مصطفي كامل بعدها, الي أن جاء سعد زغلول زعيم الثورة الشعبية عام1919 لكي يعطي الحركة الوطنية مضمونا مصريا خالصا خرج به من عباءة التأثير الاسلامي, خصوصا وأن ذلك تواكب مع مقدمات انهيار الخلافة العثمانية وظهور دولة علمانية في تركيا الحديثة حيث التف المصريون حول شعارات مصرية خالصة ترتبط بجوهر الحركة الوطنية في وادي النيل, ودارت افكار الساسة المصريين حول أطروحات أخري مثل الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط الي جانب بعض المفاهيم الليبرالية التي كان حزب الوفد أقرب تعبير عنها مع ارهاصات مبكرة للفكر الاشتراكي والتغريب, بشرت بها بعض كتابات سلامة موسي فضلا عن توجهات اوروبية بحر متوسطية كان من أبرز رموزها أحمد لطفي السيد وطه حسين وربما توفيق الحكيم أيضا, كل ذلك في ظل طموحات مكتومة للعرش المصري يتطلع فيها الجالس عليه لوراثة الخلافة الاسلامية التي سعي اليها الملك فؤاد, كما حاول الأمر ذاته الملك فاروق من بعده, بل ان اقتراح تحويل مراسم تنصيب الأخير علي العرش الي مناسبة اسلامية تجري وقائعها في القلعة علي ان تكتتب الأمة من أجل ذلك الاحتفال الديني الضخم وهو اقتراح رفضه رئيس الوزراء وزعيم حزب الوفد الحاكم آنذاك مصطفي النحاس باشا عندما صمم علي ان تتم اجراءات التتويج وفقا للتقاليد البرلمانية الغربية مجهضا خطة أحمد حسنين باشا الذي بعث برسالته الي حكومة الوفد عبر الكاتب الصحفي اللامع محمد التابعي, إن ذلك الاقتراح ـ وغيره ـ يمثل اشارات تعكس في مجملها حقيقة أن مفهوم العروبة لم يكن هو المطروح الرئيسي علي الساحة السياسية المصرية حينذاك, بل إننا لانكاد نعرف حزبا سياسيا في فترة ما بين الثورتين(1919 ـ1952) قدم مضمونا لعروبة مصر ولو ضمن أطروحات أخري باستثناء ومضات خفيفة ارتبطت بأشخاص معينة أكثر من ارتباطها بأفكار محددة دارت في معظمها حول بعض المجاهدين الذين اقترنت أسماؤهم بنضال طرابلس الغرب ضد الاستعمار الايطالي أو تأثرت بحركات التحرير المشتعلة في بعض الدول العربية ضد الوجودين البريطاني والفرنسي, ولعل من رموز ذلك التيار المحدود الأثر في مصر أسماء من مثل عزيز المصري وعبدالرحمن عزام وغيرهما, وهكذا يبدو واضحا أن الاطار السياسي لعروبة مصر لم يتواجد علي الساحة بشكل حاسم قبل حرب فلسطين الأولي عام1948 بل إن قيام جامعة الدول العربية بدعم بريطاني كان محاولة لملء الفراغ الناجم عن انهيار الدولة العثمانية والرغبة في احتواء المنطقة تحت مظلة جديدة بعد أن سقطت مظلة الخلافة وكان التفكير وقتها هو أن تكون المظلة هذه المرة عربية, بعد أن ظلت لأكثر من خمسة قرون اسلامية, وكان من الطبيعي أن تتجه بريطانيا مدفوعة بظروف الحرب العالمية الثانية الي مصر أكبر الدول الناطقة بالعربية, وأكثرها تقدما, لكي تكون الدولة المضيف, للمنظمة العربية الجديدة, كما كان مؤتمر انشاص ومحاولة الملك فاروق إمامة ملوك وامراء ورؤساء الدول العربية المشاركين في الاجتماع أثناء تأدية صلاة الجمعة وفقا لرواية تاريخية إن صحت فإنها تعبر عما كان يجيش في صدر الملك المصري من تطلعات وما أوحي به مستشاروه من إمكانية الحصول علي الزعامة العربية المطلقة بعد ان اخفقت جهوده في تبوء الخلافة الاسلامية الضائعة, وبذلك فإن العروبة تبدو مفهوما طارئا علي الدولة المصرية وليست بعدا عميقا في الكيان المصري, وأية مقارنة بين مصر وسوريا علي سبيل المثال في هذا المجال سوف توضح أن الجذور القومية في سوريا كان يقابلها جذور دينية ثم وطنية في مصر, ولقد عبر المفكر الجغرافي العظيم جمال حمدان عن هذا المفهوم في كثير من المواقع في كتاباته الرائعة, وليس يعني ذلك بالطبع أن العروبة رداء مستورد ترتديه مصر حين تريد, أو وشاح وافد تضعه الكنانة علي صدرها ثم تخلعه حين تشاء, ولكن ماأريد أن أذهب اليه هو أن المصريين لم يسيسوا عروبتهم إلا في وقت متأخر نسبيا بالمقارنة بدول الشام أو مانسميه سوريا الكبري, ولعل هذا المفهوم يفسر لنا الكثير من الاختلافات بين الدور المصري عربيا وأدوار أخري سبقته أو لحقت به في نفس الميدان, فمصر واحدة من أقدم الكيانات السياسية علي الأرض حيث عرفت شكل الدولة المركزية منذ طفولة التاريخ, لذلك كان طبيعيا أن تسبق التزاماتها الدولية مشاعرها القومية في كثير من المناسبات, بينما الأمر يختلف لدي البعض الآخر من الأشقاء العرب حيث يضعون أهدافهم القومية فوق الاعتبارات الدولية علي نحو جر علي عدد منهم آثارا سلبية في كثير من الظروف, ولو استعرضنا في إيجاز علاقات مصر العربية بأهم التجمعات الجغرافية علي خريطة المنطقة في محاولة لرصد البعد العربي في السياسة المصرية لأمكننا أن نحددها في محاور
أربعة علي النحو التالي:ـ
أولا مصر ودول الشام
ولعلي بهذا التعبير لا أستفز بعض المشاعر القطرية في دول سوريا الكبري لأنني أريد أن أوضح بجلاء أن خصوصية علاقات مصر التاريخية بالدولة المركزية في سوريا كانت دائما حجر الزاوية في مسار الأحداث الكبري في المنطقة, حتي كانت رؤية المصريين لعبقرية المكان لديهم عبر القرنين الأخيرين علي الأقل تشير الي الروابط بين بر مصر وبر الشام, ثم بر الحجاز, ولقد كان التداخل المصري السوري قائما قبل عصر محمد علي وحملة ابراهيم باشا وفترة حكمه في الشام, ولكن العلاقات ازدادت توثقا بعد ذلك وبدت مصر وطنا ثانيا للسوريين الذين أسهموا في الحركة الثقافية المصرية سواء في مجالات الصحافة أو المسرح أو السينما, ولعل ذلك يظل له انعكاسه علي التقارب بين المزاجين السوري والمصري الذي تجسد ـ ولو لفترة قصيرة ـ في دولة الوحدة منذ اكثر من اربعين عاما, بل إن دعاة الحزب القومي السوري الذين نظروا بشيء من الحذر الي مصر قد حرموا أنفسهم تلقائيا بسبب ذلك الموقف رصيدا شعبيا كان يمكن لهم أن يحققوه ومازلت أكرر دائما ماقاله مفكر لبناني كبير من أن معيار العروبة الصادقة ينبع دائما من درجة الايمان بدور مصر العربي ومكانتها القومية, واذا أخذنا النموذج العراقي المرتبط جغرافيا بسوريا الكبري والذي اعتبره القوميون السوريون جزءا من دولة الهلال الخصيب الذي كانت نجمته في قبرص, فإننا نري أن العلاقات المصرية العراقية كانت تاريخيا ذات حساسية خاصة ربما منذ المنافسة بين الدولة العباسية في بغداد والدولة الفاطمية في القاهرة عندما ربطت بينهما ظروف المعاصرة وتطلعات المنافسة, ولا شك ان الصدام بين نوري السعيد وعبدالكريم قاسم من بعده بمصر الناصرية, ثم فشل محاولات الوحدة الثلاثية في مطلع الستينيات انما كانت كلها انعكاسا لنظرة عراقية لا تستريح تاريخيا للدور المصري وقياداته القومية.
ثانيا: مصر ودول الخليج العربي
ليس من شك أن هناك عاملين لعبا دورا حاكما في تحديد إطار العلاقة بين مصر ومجموعة تلك الدول المطلة علي الخليج العربي وأول هذين العاملين هو وجود الأماكن المقدسة في الحجاز وارتباط المصريين القوي بمقدساتهم الروحية, وهو أمر جعل العلاقة بين المصريين وسكان شبه الجزيرة علاقة موصولة فيها الكثير من هوي حب المصريين لأهل البيت وتعلقهم الشديد برسول الاسلام, بل إن عروبة المصريين الثقافية قد اعتمدت إلي حد كبير علي الجوهر الاسلامي لمضمون الفكرة القومية, ولقد فطن لذلك فارس نجد الملك عبدالعزيز بن سعود مؤسس الدولة المركزية الموحدة الحديثة في شبه الجزيرة العربية وأوصي أبناءه بحسن الجوار مع مصر مثلما يرددون هم أنفسهم في مناسبات كثيرة, بل إن قبوله الانضمام لجامعة الدول العربية بعد تردد في منتصف الأربعينيات إنما جاء ترضية لمصر وتقاربا مع الجالس علي عرشها بعد زيارة منه حينذاك, أما العامل الثاني الذي يحكم علاقات مصر بدول الخليج العربي فهو يأتي نتيجة للنهضة الشاملة التي نجمت عن ظهور النفط في معظم أقطار الخليج, واتجاه العمالة المصرية بكل مستوياتها لتلك الدول علي نحو ربط الأسرة المصرية العادية في المدن والقري بما يجري في دول الخليج سياسيا واقتصاديا فكانت لذلك انعكاساته الايجابية في توثيق العلاقة وتشديد الرابطة, ولعل شعبية الموقف المصري في دعم الكويت بعد غزو العراق له عام1990 كان نابعا من مفهوم يقترب من هذا التصور العام.
ثالثا: مصر ودول المغرب العربي
وهنا لابد أن نعترف بالشخصية الافريقية لمصر وموقعها علي البوابة الشمالية الشرقية للقارة وامتداداتها غربا وجنوبا حتي إن نسبة لا بأس بها من التركيب السكاني لعدد من المحافظات في غرب الدلتا ووسط الصعيد تبدو من أصول شمال افريقية, ويكفي أن نتأمل أسماء عدد من أصحاب الأضرحة وأولياء الله الصالحين لكي نكتشف أنهم قدموا من المغرب العربي وهم في طريقهم لأداء الحج عندما استوقفهم الوادي الأخضر في طريق العودة فاتخذوه مستقرا ومقاما, كما أن حركات التحرر الوطني في الدول العربية الشمال إفريقية قد اتخذت كلها من مصر قاعدة للانطلاق وركيزة للحركة, هكذا فعل السنوسيون ثم القذافي من بعدهم, وهكذا فعل بورقيبة ورفاقه في تونس حتي كانت انطلاقة الثورة الجزائرية بقياداتها التاريخية من الأرض المصرية علي نحو ربط الشمال الأفريقي بأمته العربية بصورة تقررت بعد ذلك باستضافة تونس لجامعة الدول العربية لقرابة عقد كامل, كما أن دعاة التحرر الوطني في دولة المغرب ذاتها قد فعلوا شيئا من ذلك أيضا, بل إن الملك الراحل محمد الخامس ومن بعده الملك الحسن الثاني يحفظان لمصر مكانة خاصة من منطلق اسلامي عربي, وهكذا نستطيع القول بأن دور مصر في دول المغرب العربي هو دور موصول لم تمنعه الصحاري الواسعة ولم تحل دونه الحواجز الطبيعية التي تتميز بها جغرافية القارة الافريقية.
رابعا: مصر والسودان
وهنا نصل إلي أكثر القضايا أهمية وربما أشدها حساسية, ويهمني هنا أن انتزع العلاقات المصرية السودانية من إطار الدور العربي لمصر لكي أضعها في سياقها التاريخي الفريد, فعلاقات مصر بالسودان علاقات ذات طابع خاص فيها من وحدة النهر درجة عالية من الارتباط العضوي الذي لم تعرفه علاقات مصر بدولة مجاورة أخري, والحديث عن العلاقات المصرية السودانية حديث ذو شجون تناولناه في كثير من المناسبات حيث أشرنا إلي علاقات الدولتين خلال القرنين الماضيين, ثم تعرضنا للرواسب التاريخية والحساسيات المتراكمة منذ أيام الحكم الثنائي بصورة تجسدت بوضوح في فكر الحركة المهدية بنظرتها المتحفظة لمصر وشكوكها التقليدية تجاه سياسات القاهرة, وقد كان شعورنا دائما ولايزال بوجود فرصة ضائعة لوحدة وادي النيل غداة استقلال السودان في منتصف الخمسينيات يمثل قضية خلافية لاتزال مثار جدل ومحل نقاش, ولكن الأمر المتفق عليه بين الجميع هو أن البلدين التوءم هما امتداد طبيعي واحد يبدو فيه كل منهما عمقا استراتيجيا للآخر, فحدود مصر تقف عند منابع النيل الأزرق, كما أن حدود السودان تصل إلي شواطئ المتوسط, ويجب أن يسعي البلدان ــ في ظروف تبدو اليوم مواتية ــ لوضع أسس ثابتة وأطر دائمة لعلاقات راسخة لاتتأثر بتغيير النظم أو تداول الحكام, ولعلي أضيف هنا نقطة مهمة مؤداها أن عروبة السودان وربما اسلامه أيضا يتأثران تلقائيا بالعلاقة مع مصر, إذ أن السودان بلد واسع المساحة متعدد الجيران تبدو فيه الأطماع كثيرة مثلما تبدو عليه الضغوط شديدة, لذلك يكون طبيعيا أن تعي القيادة السودانية دائما أهمية العلاقات مع مصر باعتبارها رصيده الداعم دائما, مثلما يتعين علي القاهرة أن تدرك أيضا أن العلاقات مع السودان لايجب أن تكون محكومة بفورات موسمية ولكن يتحتم أن يكون لها درجة من الرسوخ والثبات تحميها من الأنواء والأعاصير والتقلبات.
إنني أطرح هذا التصور الموجز استقراء لتطور دور مصر عربيا, وفي خلفية ما أكتبه اليوم, تلك الروح التي ظهرت علي السطح في السنوات الأخيرة في بعض الدول العربية والتي تبدو شديدة الحساسية من مصر وريادتها المستمدة من ثقلها التاريخي وتراثها الثقافي ومكانتها القومية, ولعل المرارة التي كتب بها الشاعر العربي الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي عن محاولات بعض الأدباء والشعراء العرب تجاهل الوزن الحقيقي لمصر واغماط رموزها الكبري حقوقها التاريخية الثابتة, لعل في ذلك أيضا دافعا فيما أكتب, ويهمني أن أسجل الملاحظات التالية في هذا السياق:
1 ــ اننا يجب أن ندرك أن العرب جميعا ــ ربما بغير استثناء ــ يعرفون في أعماقهم قدر مصر ويدركون أن تهميش دورها أمر مستحيل وقد جربوا شيئا من ذلك في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات ولكنهم اكتشفوا حجم الخطيئة التي دفعوا هم الجزء الأكبر من ثمنها ولم تتأثر مصر كثيرا بها.
2 ــ إنه من الطبيعي أن تكون هناك حساسيات تجاه الشقيقة الكبري لأن حمل مصابيح التنوير لعدة قرون لابد أن يؤدي إلي شعور تلقائي لدي الآخرين يتركز حول ضآلة الدور مقارنا بما يقرأ ويسمع ويري عن الكنانة مكانة وريادة.
3 ــ إن التطاول علي الدور الثقافي لمصر العربية أمر متوقع, فقد أصبح لدي غيرنا ــ بحكم منطق التطور وحركة التاريخ ــ شئ من أدوات العصر ومقتنيات التكنولوجيا الحديثة, كما شب الجميع علي الطوق, وظهر في غمرة حماس تحقيق بعض منجزات النهضة القطرية نبرة احساس عالية بالذات لدي الأشقاء, مع تحرك عفوي نحو بعض المحاولات المتكررة لاهدار تراكمات التاريخ وحقائق الجغرافيا ورموز الحضارة.
إن مصر لم تحقق مكانتها منحة من غيرها, ولم تصل إلي ما بلغته بطفرة مفاجئة, ولكنها اعتصرت دائما خبرة السنين وحكمة القرون في عبقرية زمان ومكان نادرين ثم تحملت بغير انقطاع مسئولياتها القومية من أجل أمة عربية متجددة الروح, يقظة الوعي, متماسكة الكيان.
تعقيب
اتصل بي الأستاذ الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب هاتفيا ليعلق علي ما جاء في مقالي السابق( تقدير النبوغ وتكريم التفوق) موضحا أن حصوله علي جائزة الدولة التقديرية وهو يشغل منصبه الرفيع لم يكن مجاملة أو محاباة فهو حاصل علي جائزة الدولة التشجيعية في مستهل حياته العلمية فضلا عن مؤلفاته الدراسية واسهاماته في ميدان القانون الجنائي, وأنا أتفق معه في ذلك ولعل إشارتي لهذا الأمر عند الحديث عن جوائز الدولة في مقالي السابق تؤكد هذا المعني, فقد وصل الدكتور سرور إلي مقعد الوزارة ووراءه تاريخ أكاديمي عريض في الجامعة واليونسكو وشهرة كبيرة في المحاماة والحياة العامة, ولكن رأينا كان ــ ولايزال ــ اننا نربأ بالمسئولين عن قبول جوائز الدولة وهم في مواقع مؤثرة, ونرتفع بهم عن تأويلات لا مبرر لها, لذلك فإنني أطلب من السيد وزير الثقافة ــ وانجازاته مشهودة ــ أن يجد صيغة للحد من دور ممثلي الوزارات المختلفة داخل المجلس الأعلي للثقافة لأن تصويتهم عند اختيار العلماءوالأدباء والمفكرين والفنانين لجوائز الدولة الكبري أمر لا يتسق مع طبيعة الأمور, كما أن بعضهم لايدرك تماما ارتباط نوع الجائزة بموضوع التخصص مما يجعل المعيار الشخصي هو الغالب, وقد أسعدني كثيرا أن الدكتور سرور قد أبلغني أنه قد قرر الاعتذار عن قبول ترشيح جامعة المنصورة له للحصول علي جائزة مبارك تاركا الفرصة لغيره رغم أنه جدير بها, ولعل ذلك يضيف إلي رصيد هذا الرجل, والذي نعرف عنه ــ بالاضافة إلي المكانة العلمية والخبرة البرلمانية ــ فضيلتي التواضع وبشاشة الوجه.
جريدة الأهرام
http://www.ahram.org.eg/Archive/1999/6/29/WRIT1.HTM