الأمير هو تشارلز ولي عهد المملكة المتحدة ووريث العرش البريطاني ـ شريك عيد الميلاد فقط! ـ حيث ولد في الرابع عشر من نوفمبر عام1948 كإبن أكبر للملكة اليزابيث الثانية, والإسطورة هي واحدة من أشهر قصص العصر والتي تدور حول أم ولديه ـ وليم و هاري الأميرة الراحلة ديانا سبنسر, وتثير حياة الأمير أبعادا مختلفة لقصة تستحق التأمل, لا لأنها ترتبط بإمبراطورية غربت عنها الشمس, أو بأميرة سوف يظل الغموض يلاحق حادث رحيلها, ولكن قبل هذا وذاك هي قصة التربية في البلاط الملكي وأساليب الإعداد لمن ينتظرون ولاية العرش في ظل كل الظروف والملابسات, كما ان القصة في مجملها تمس اسلوب الحكم في بريطانيا ومستقبل الملكية فيها, في ظل بقاء الفلسفة الجامدة للسياسة الخارجية البريطانية التي لم تتجاوز بعد روح القرن التاسع عشر, كما أن التاج البريطاني يبدو موضع جدل ومحل نقاش, حتي ظن الناس ان الملكة سوف تهدي العرش لإبنها في عيد ميلاده الخمسين او عندما تبلغ هي الخامسة والسبعين, ولكن يبدو أن الملكة قد تجاوزت المناسبتين في حرص علي البقاء علي عرش تتهدده كل عوامل الانتهاء, والبيت الحاكم في بريطانيا بيت يملك شكليا ولا يحكم فعليا, فهي أسرة اختلطت فيها الدماء مع عدد من الأسر الحاكمة في التاريخ الأوروبي فهناك حديث متكرر عن أصولها الألمانية بل وانتسابها الي دراكولا بكل ما يلحق بالاسم من مشاهد مخيفة مع روايات أخري تصل إلي حد الشطط بالإشارة إلي دماء عربية تجري في عروق العائلة, فضلا عن تشكيك مستمر في عفة الملكة فيكتوريا إلي الحد الذي طالب فيه بعض الغلاة من أعداء الملكية البريطانية بتحليل خلايا من رفاة عدد من ملوكها الراحلين في محاولة خبيثة لهدم الأنساب والتشكيك في قدرات الأمير ألبرت والنيل من أمجاد العصر الفيكتوري, عصر ازدهار الوجود البريطاني وراء البحار والذي ترك بصماته القوية في السياسة والأدب والفن خلال القرن الماضي, ويحاول أصحاب هذا الاتجاه تقويض دعائم الأصول النبيلة لتلك العائلة التي تقبع في بلاط سان جيمس بشكل يستهوي بعض محللي السياسة ومنظري الحكم, ودارسي تاريخ أوروبا الحديث, والباحثين في النظم الدستورية المعاصرة, ووسط كل ذلك يطل اسم الأمير تشارلز ليجدد دائما التساؤلات, ويطرح علامات الاستفهام حول مستقبل العرش الذي تتهدده أمواج السياسة البريطانية التي مازالت تعيش علي رصيد كبير من ذكريات الماضي وأمجاد الامبراطورية الراحلة, لذلك قد يكون من الأفضل أن نتحدث عن الأمير والأسطورة عبر نقاط محورية نوجزها فيما يلي:
أولا: إن أسلوب تربية الأمير منذ سنوات نشأته الأولي تعكس أزمة انسانية متكررة عاني منها الكثير من أبناء الملوك والحكام خصوصا إذا كانوا أولياء للعرش مثلما حدث لأمير ويلز حيث تجري محاولة مستمرة لقهر طفولتهم, وتعليب مشاعرهم, وقمع المسيرة الطبيعية لسنوات عمرهم في محاولة لاختزال التجارب وتخزين المعارف بشكل يؤدي غالبا إلي نقائص في الشخصية واضطراب في الذات, وما أكثر أولاد الملوك الذين تعرضوا لمحن نفسية وحالات من العزلة داخل الذات نتيجة الضغوط التربوية, أو الإطار الجامد للتقاليد الملكية, فضلا عن المعايشة الدائمة لطابور طويل من المربيات والخدم في كل مراحل حياتهم بشكل يوجد مسافة واسعة بينهم وبين أبويهم, ويضع حاجزا يبعدهم عن أقرانهم بصورة تتعارض مع تطورات العمر الطبيعي والتغييرات النفسية لسنواتهم المختلفة, وقد عاني الأمير البريطاني شيئا من ذلك, فقد تركه أبواه يعيش حياة القصر الباردة ليذهبا في رحلات ملكية طويلة, أو زيارات رسمية بعيدة, والأمير يفتقد حنانهما في سنوات عمره يحكي عن أن حزم أبيه الذي بلغ حد القسوة في تربية الأمير قد ترك بصمات قوية علي شخصية تشارلز مازالت آثارها واضحة حتي الآن, فالأمير فيليب هو زوج الملكة ودوره مراسمي تابع, ولديه فراغ في الوقت لا بأس من ان يصرفه في مزيد من الاهتمام بأولاد الملكة الذين يخضعون لتربية محكمة, وبرنامج يومي صارم عاني منه كثير من أولاد الملوك والحكام قبلهم, وسوف يظل الأمر كذلك مادامت فلسفة التربية تركز علي الاهتمام التربوي المادي الكثيف دون توافر الشحنات العاطفية اللازمة في كل الأعمار.
ثانيا: إن تقاليد العرش البريطاني عرفت قصة تعتبر حتي الآن قمة الرومانسية في القرن العشرين حين ترك الملك إدوارد الثامن عرش الإمبراطورية طواعية ليقترن بسيدة أمريكية مطلقة مرتين ولا يبدو حظها من الجمال وفيرا, ولكن يبدو أن سحر أليس سامبسون كان طاغيا علي الملك إلي الحد الذي جعل صوته متهدجا في خطاب التنازل عن العرش الذي وجهه لشعبه وللمستعمرات البريطانية والعالم كله وهو يترك عرشا لا تغيب الشمس عن أطراف ممتلكاته في يوم بارد من شهر ديسمبر عام1936, ويبدو أن رجال تلك العائلة مغرمون بسيدات لا يملكن حظا كافيا من الجمال, ولكنهن يمتلكن قدرا طاغيا من التأثير, ولعل كاميلا في حياة تشارلز لا تبدو بعيدة في إطارها العام عن تأثير الليدي سامبسون علي دوق وندسور وهي في النهاية كيمياء من نوع خاص يحار فيها البشر ظاهريا ولكنهم يدركون أسبابها في أعماقهم عبر مختلف العصور, ولاشك في ان ذلك الجانب الذي يتمثل في الاندفاع العاطفي وراء نزوات طارئة أو رومانسيات عابرة في حياة أصحاب بلاط سان جيمس هو أمر يؤكد أن أفراد الأسرة يعيشون صراعا حقيقيا بين تقاليد الملوك وتصرفات البشر, ومازالت أصداء غراميات الأميرة مارجريت ـ شقيقة الملكة ـ في الخمسينيات والستينيات ملء السمع حتي يومنا.
ثالثا: إن ظهور ديانا ـ سندريلا العصر ـ هو الجانب المؤثر في الأسطورة كلها, فقد تقدمت الأميرة نحو البلاط الملكي البريطاني لتقترن بولي العهد وفي أعماقها رفض شديد للتقاليد الملكية الجامدة ورغبة في تغيير الروح السائدة التي توارثتها ملكة يقترب حكمها من نصف قرن كامل فضلا عن أن الأميرة قد عاشت حياة الشعب العادية رغم انها تنحدر من أسرة نبيلة, وتجري في عروقها دماء تلتقي في بعض جذورها مع فروع من العائلة المالكة ذاتها, ولكن روح الأميرة التي تميزت بالبساطة الشديدة مع غرام بالأضواء, ورغبة في أن تحتل موقعا مختلفا في صفوف العائلة الحاكمة البريطانية جعلتها تتطلع إلي الجلوس علي عرش قلوب أبناء الشعب البريطاني بدلا من أن تتطلع الي عرش الحكم تحت تاج الملكية بتقاليدها الصارمة, لذلك سعت الأميرة إلي دور اجتماعي وسياسي له أبعاد تجاوزت كثيرا حدود المملكة المتحدة لكي تصل الي كل بيت في أرجاء المعمورة حيث مارست الأميرة دورا انسانيا راقيا بدءا من الاهتمام بالطفولة مرورا برعاية اصحاب الأمراض المستعصية وصولا الي ريادة حركة دولية لتطهير الألغام التي تفتك بآلاف البشر سنويا في أنحاء المعمورة بعد ان زرعتها يد الانتقام اثناء الحروب الكبري او النزاعات المحلية, وبذلك اصبحت الأميرة ضيفا مقبولا علي شاشات التليفزيون وصفحات الصحف والمجلات لدي كل أسرة في عالم اليوم, لذلك كانت فجيعة رحيلها المأساوي خبرا حزينا لدي البشر بغض النظر عن الاختلافات العرقية أو الفكرية او الدينية.
رابعا: إن قصة الأميرة ديانا مع الأمير تشارلز تعكس في دقة مأساة الاقتران الملكي الذي يقوم الزواج فيه علي أسس وحسابات تعطي لمفهوم المصاهرة الملكية ابعادا تختلف عن مفهوم التوافق الشخصي او الارتباط العاطفي حتي اصبحت ديانا ـ برغم شهرتها الواسعة وشعبيتها الكاسحة ـ حبيسة ذاتها, فريسة اهواء اقترنت باسمها, ونزوات صاحبت حياتها القصيرة حتي انني احسب ان مشاعرها في سنوات حياتها في البلاط البريطاني تبدو قريبة الشبه ـ مع اختلافات لا يمكن تجاوزها ـ بتلك العزلة التي عانت منها الملكة فريدة أولي زوجات الملك فاروق.. نفس المعاناة مع احساس كئيب بانصراف الزوج عنها وانغماسه في حياة خاصة لا تبدو هي طرفا فاعلا فيها, ولقد كنت أتأمل في غمار الحزن الشديد عند رحيل الأميرة في حادث سيارة بمدينة باريس مع صديقها الشاب المصري عماد الفايد, كنت تلك المفارقة التي جعلت الناس وقتها يضعون الأميرة الجميلة في مرتبة تسبق الأم تريزا صاحبة الأعمال الإنسانية والأنشطة الخيرية طوال نصف قرن داخل شبه القارة الهندية وخارجها والتي رحلت بعد الأميرة بأيام قليلة, كنت أتأمل في ذلك الوقت دموع الناس علي الأميرة الراحلة باعتبارها قديسة طاهرة برغم انها اعترفت علنا ذات يوم علي شاشات التليفزيون بالخيانة الزوجية في بساطة شديدة وبابتسامة بريئة, وتقبل بعض الناس الأمر بشكل يؤكد عمق الاختلافات الثقافية والتباين في نسق القيم والتقاليد بين الأمم والشعوب, وقارنت يومها في دهشة حزينة بين الأميرة التي أخطأت ومع ذلك نظرنا اليها كملاك راحل, وبين قصة فتاة مصرية استدرجها ابوها ثم قام بقتلها لمجرد انها تزوجت زواجا رسميا صحيحا بشاب أحبته دون علم ابيها, وادركت لحظتها ان الأحكام تتفاوت بشكل فادح بين البشر وفقا للقيم التي يحتكمون اليها, والثقافات التي ينتمون لها, لأن اعتراف ديانا العلني كان يستوجب الاستنكار الشديد بمنطق التقاليد الشرقية, ولو انها كانت تنتمي لمنطقتنا لنبذها العرب ورجمها المسلمون.
خامسا: إن الأمير فيليب الأب وزوج الملكة الذي لا يري الناس له دورا هامهما في نهاره وفقا لدعابة خروتشوف الشهيرة, ان هذا الأمير الذي ينحدر من اصل يوناني ويملك قدرا كبيرا من روح السخرية التي تتميز بها شعوب المتوسط, والذي مازلت اذكر له دأبه المستمر علي سؤال السفير المصري اثناء الاحتفال الشتوي بالقصر الملكي في لندن حيث تستقبل الملكة والأمراء والأميرات اعضاء السلك الدبلوماسي الأجنبي في بريطانيا, اذكر ان الأمير كان دائم السؤال عن الإسم الرسمي للدولة المصرية, وكان يبدي انتقادا لاسم الجمهورية العربية المتحدة, ثم أبدي بعض الارتياح عندما علم ان الاسم قد اصبح جمهورية مصر العربية بعد ان تم تغيير الدستور المصري في مطلع السبعينيات, وكان يقول لنا ان مصر اقدم اسم في التاريخ ويجب ألا يختفي ابدا لأن المصريين يتميزون عن كل من حولهم حتي ولو قالوا غير ذلك, ان هذا الأمير الساخر قد أوجد جفوة دائمة في علاقته بابنه, وحمله دائما كثيرا من الضغوط التي ادت بالأمير الي الجنوح نحو نزواته احيانا او الاستغراق في العزلة احيانا اخري.
سادسا: لقد جمعتني بالأمير تشارلز مائدة عشاء بمبني السفارة البريطانية بالقاهرة اثناء زيارته لها عام1995 حيث دعا السفير البريطاني يومها عددا محدودا من الأشخاص لتناول العشاء مع ولي عهد بريطانيا وتعمد ان يكونوا من خريجي الجامعات البريطانية, أو المتعاملين عن قرب مع العلاقات البريطانية المصرية من مختلف القطاعات, وأذكر أن من بين الحاضرين يومها الأستاذ هيكل والفريق محمد الشحات ورئيسي أكبر شركتين بريطانيتين تعملان في مصر, وكان الأمير يقيم في منزل السفير البريطاني حيث دخل القاعة بعد وصول آخر المدعوين علي شرفه, ثم كان أيضا هو أول من غادر المكان عند انتهاء الحفل, وقد ألقي السفير البريطاني يومها كلمة تحية لضيفه الكبير ولكن الأمير لم يرد عليه بكلمة أخري, إذ ان ذلك هو التقليد الملكي الذي لا يساوي بين افراد الأسرة وعامة الناس, ولقد لاحظت يومها ان الأمير الذي كان يرتدي الزي الاسكتلندي التقليدي كان يعلق علي الحديث الموجه اليه متسائلا بجملة مكررة وهي هل الأمر كذلك؟(ISTHATSO?) في تحفظ ملكي واضح وأدب انجليزي معتاد, وإن كان قد استطرد في الحديث ليلتها عن الحضارة المصرية وآثارها الباقية, ودار بينه وبين الأستاذ هيكل حوار حول عدد من القضايا كان الأمير فيه مستمعا باهتمام لأنه كان يعرف قيمة محدثه, إذ أن السفارة علي ما يبدو قد وضعت أمام الضيف الكبير قائمة بأوزان مدعويه وفقا للتقليد الدبلوماسي لمثل هذه اللقاءات, واعترف انني قد شعرت وقتها بإشفاق داخلي علي الأمير المحاط بسياج حديدي من التقاليد التي تجاوزتها روح العصر.
سابعا: إن احتمال زواج الأمير بصديقته كاميلا لا يبدو سهلا برغم ظهورهما العلني في مناسبات مختلفة بعد رحيل الأميرة ديانا في محاولة لتعويد الرأي العام علي صورتهما معا, وفي ظني ان المحاولة لم تنجح حتي الآن, فظلال الأميرة الراحلة ما زالت تسيطر علي قلوب الناس, كما أن معظم البريطانيين يحمل كاميلا مسئولية دور الطرف الثالث في علاقة زوجية كانت حديث العصر بكل المقاييس, ويعتبرون أنها قد أسهمت بنصيب وافر في تدمير الجسور بين قلبي الأميرين عبر السنوات الماضية, وهنا نقرر اننا نشعر بكثير من التعاطف مع الأميرين الصغيرين اللذين يمثلان الرمز الباقي والامتداد الحي للأميرة الراحلة, ونشعر بالألم لأسلوب التربية الصارم الذي حرمهما حق الحزن علي أمهما غداة رحيلها حتي أن الأمير وليم كان مطالبا بابتسامة حزينة وهو يقلب بطاقات العزاء علي باقات الورود التي ملأت ساحات القصر الملكي يوم رحيل ديانا سبنسر, بل لقد حالت التقاليد دون إعطائه حق البكاء الطبيعي هو وأخيه أثناء الاحتفال المهيب في الكاتدرائية الكبري عند تشييع جنازة أمهما الي حيث لا يعود البشر.
هذه هي الملامح الرئيسية لقصة الأمير الذي بدأت شعبيته في التزايد بعد شهور من رحيل زوجته السابقة لأن المقارنة لم تعد قائمة, واختفي ضياؤها الذي كان يحجب خلفه كل بريق ينبعث من أفراد العائلة المالكة البريطانية, وسوف تواصل الأجيال المتعاقبة ترديد اسطورة الأميرة التي لاحقتها الصحافة في حياتها, وربما كانت السبب أيضا وراء حادث وفاتها, ثم واصلت بعد ذلك النبش في قبرها.. إنها ضريبة الشهرة والثمن الفادح لمن تركزت عليها الأضواء, ولاشك في ان مستقبل الملكية البريطانية ـ برغم الشكوك والانتقادات ـ يبدو اليوم افضل منه منذ عامين مثلا, بل ان الملكة قد اختارت المبادرة ذاتيا لتجديد شخصية العائلة واعادة ترتيب البيت في محاولة للدخول في حياة العصر والتوافق مع طقوسه الجديدة وافكاره الحديثة, كما ان خروجها علي الصمت الملكي المعتاد عند وفاة الأميرة الراحلة كان هو الآخر محاولة ذكية لامتصاص روح الانتقاد مع الرغبة في إيجاد صيغة للتوافق مع رأي عام حزين يصوب سهام غضبه تجاه الملكة والعائلة, بل إن خطبة شقيق ديانا في احتفال الكاتدرائية عند تشييع جثمانها كانت هي الأخري عريضة انتقاد مسببة ضد أسلوب التربية الملكية والخصائص الموروثة للعرش البريطاني, كما تجاوز ذلك الي ابداء رغبته في التدخل المباشر في تربية ابني اخته الراحلة وفقا لأساليب التربية التي يعرفها عامة الشعب حيث بدأ يطفو علي السطح شعور عام بالمساواة بين البشر واستهجان روح التحفظ الملكي مع رفض للمغالاة في التمسك بالتقاليد أو التشدد في إجراءات المراسم او الاستغراق في الشكليات, وليس من شك في ان احتمالات وصول الأمير البريطاني إلي عرش أمه قد أصبح الآن أكثر قوة من ذي قبل لكي يصبح تشارلز ملكا ورئيسا للكنيسة الإنجليزية, وهو أمر كان يستحيل تحقيقه لو أن أخا ثالثا لإبنيه قد جاء من أب مسلم حاملا اسما عربيا!!.
إنها قصة أمير يشارك صاحب( الكوميديا الإلهية) دانتي في عيد ميلاده, وقد تعرضنا للأمير البريطاني ـ في نهاية الحديث عن شركاء عيد الميلاد الآخرين نهرو وطه حسين وبطرس غالي والملك حسين ـ ورأينا في حياته تجسيدا لأسطورة العصر التي تختلط فيها الرومانسية بالمؤامرة, وتمتزج داخلها خيوط التقاليد الجامدة مع الأفكار المتحررة, انها قصة شمس تغيب, وعصر مختلف تبدو في الأفق ملامحه التي تشكل مستقبل أكبر عرش في التاريخ, وأشهر ملكية عرفها الإنسان المعاصر, ولن اختتم مقالي هذا قبل ان اسجل اعترافي بموضوعية الأمير, كما تبدو من سياق محاضرته الشهيرة في جامعة أكسفورد البريطانية منذ سنوات قليلة حيث تجلت فيها روح إنصاف الإسلام دينا وفلسفة.. فقها وشريعة, فقد دافع الأمير يومها عن الحملات المغرضة الموجهة ضد الإسلام ورفض محاولات الخلط المتعمد بين شريعته السمحاء وممارسات العنف وأعمال الإرهاب في السنوات الأخيرة, ولقد فعل كلينتون مؤخرا شيئا من ذلك هو الآخر, وكأنما كتب علي الإسلام ألا ينصفه الغير إلا إذا تأزمت الأمور واختلطت الأوراق وضاقت السبل, وسوف تبقي للأمير البريطاني هذه الحسنة في أعين العرب والمسلمين لأنه اختار الحياد والموضوعية أسلوبين لتحسين صورته أمام أصحاب الحضارات, وأرباب الثقافات, فلقد أدرك الأمير أن الإنسان هو الإنسان مهما اختلفت الديانات أو تعددت الجنسيات.
جريدة الأهرام
http://www.ahram.org.eg/Archive/1999/1/26/WRIT1.HTM