بادر زميل دراستى الأستاذ ممدوح عباس ـ الذى كان رئيسا لنادى الزمالك ـ بالدعوة إلى تكريم مؤسسى لاسم أستاذنا الراحل بطرس بطرس غالى الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة وصاحب البصمات الواضحة فى ثقافتنا السياسية ونظرتنا للقانون الدولى المعاصر وفهمنا للعلاقات الدولية من منظور موضوعى وواقعى فى ذات الوقت، وممدوح عباس الذى يظن من لا يعرفونه خريجا لإحدى كليات التربية الرياضية إنما هو خريج لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية التى قضى فيها سنوات فى تفاعل وحيوية مع أساتذته وزملائه حتى جاء تخرجه بداية لنجاح باهر فى مجال الأعمال الحرة وعالم المال والتجارة، وأشهد أنه قد حاول منذ اليوم الأول أن يوظف ما يملك لخدمة غيره وارتاد مجالات غير معتادة فى هذا السياق حتى عنت له فكرة تكريم أشهر أساتذتنا وأكثرهم تأثيرًا فينا وأعنى به العم العزيز بطرس غالى الذى لم ينجب ذرية فاعتبرنا جميعًا أبناءه بغير استثناء ودون تفرقة، فضلًا عن وطنية صادقة كانت تفيض من كل خطوة يخطوها فى خدمة بلاده وتأمين مستقبلها، وقد شاركته المسيرة سيدة رائعة أطال الله فى عمرها وهى تقف حارسة لاسمه الكبير وراعية لكل من يريد أن يشير ذلك الرجل العظيم بعد رحيله، إنها السيدة (ليا بطرس غالي) التى هجرت البلاد والأوطان وآثرت أن تعيش فى مصر بلد زوجها ومستقـر أهلها الذين وفــدوا إليها وعاشـوا فيها فأصبحـت (ليا نادلر) جزءا لا يتجزأ من نسيج حياتنا وعضوًا فى أسرة كل منا، سيدة فاضلة وعقلية واعية وعاشقة لوطنها مصر فى كل الظروف، وقد اتفقت إرادتها مع مبادرة زميلنا الأستاذ ممدوح عباس الذى وضع تحت يديها إمكاناته المادية والثقافية والاجتماعية لخدمة مشروع الجمعية الجديدة تحت مسمى (كيميت) التى ترعى تراث بطرس غالى على جميع الأصعدة، وقد احتشد فى مجلس أمنائها شخصيات مختلفة بدءًا من على الدين هلال أستاذ أساتذة العلوم السياسية فى العالم العربى وصولًا إلى الفنانة الرائعة يسرا مرورا بالشخصية المتميزة لأحد تلامذة بطرس غالى وأعنى به الأستاذ مخلص قطب أمين عام المجلس القومى لحقوق الإنسان وهؤلاء وغيرهم تحت مظلة يرفعها مصرى عظيم فى تاريخنا الحديث هو السيد محمد فايق الوزير الأسبق والرئيس الحالى للمجلس القومى لحقوق الإنسان، ولقد كان لى شرف الانضمام لعضوية ذلك المجلس رفيع المستوى الذى يقود جمعية تعمل على تكريم شخصية دولية كبيرة بكافة الطرق والوسائل التى تقدم للشباب الصاعد نموذجًا رائعًا وقدوة فريدة فى مجالات السياسة والدبلوماسية، فضلًا عن التميز الأكاديمى الطويل لأستاذ الأجيال بطرس بطرس غالي، وقد اتخذت الجمعية مقرا وفره لها ممدوح عباس الذى يستخدم ما يملك فى خدمة الأغراض الثقافية وتكريم أساتذته وزملائه بدءا من رابطة خريجى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وصولًا إلى هذه الجمعية الدولية الجديدة التى تحمل اسم ذلك الرجل العظيم، ويثير الأمر لدى بعض الملاحظات أسوقها فى اختصار:
أولًا: إن من يستقبلون ولا يودعون هم أشرار العصر ومن لم يتأمل ماضيه ويكرم رموزه لا يستحق أن يشار إليه، فالوفاء لمن مضوا فى تاريخنا ورحلوا عن حياتنا بعد أن تركوا بصمات واضحة على الأجيال المختلفة هو أمر يجب أن يستحق كل العناية والاهتمام، وكيميت - جمعية بطرس غالى الجديدة - هى نموذج لذلك وهو أمر يستحق الإشادة والتكريم لمن قاموا عليه وبادروا للمشاركة فيه، وفى مقدمتهم أحد تلاميذه وهو الأستاذ ممدوح عباس مع تقدير لكل المشاركين فى هذا الجهد والمساهمين فى إنجاحه بخطوات جادة وإجراءات رصينة.
ثانيًا: إن اسم بطرس بطرس غالى سوف يظل فى تاريخنا متألقًا متوهجًا، ومازلت أذكر زياراتى المنتظمة له فى سنواته الأخيرة وكيف طلب منى ذات يوم أن أتصل بوزير التعليم العالى للاتفاق معه على زيارة مديرة اليونسكو السابقة لمصر لكى تعقد مؤتمرًا مهما يضيف إلى مكانة مصر الثقافية فى المنطقة، وكنا فى عصر حكومة الإخوان، وقد أدهشنى أن مدير مكتب الوزير قد رد عليّ قائلًا إنه يتوضأ لأداء الصلاة وسوف يتصل بك فور الانتهاء منها ولكن العجيب أنه لم يرد المكالمة حتى الآن، وأَسِف بطرس غالى يومها على فرصة ضائعة وكان الرجل وقتها قد جاوز التسعين من عمره، ولكنه كان مشغولاً دائمًا بمصلحة بلده والمبادرات البناءة التى يطرحها من أجل مستقبل مصر.
ثالثًا: إن تكريم رموزنا وتخليد ذكرى عظمائنا ليس بدعة جديدة علينا لأنه جزء لا يتجزأ من التراث الإنسانى كله، ولننظر للعالم من حولنا لنرى كيف يكرمون عظماءهم ويحتفون بالأسماء المهمة فى تاريخهم إذ إن الأمة التى لا تعرف ماضيها لن تتذوق حاضرها ولن ترسم الطريق نحو مستقبلها، وتشترك الإنسانية كلها فى الإشادة بالأسماء العظيمة فى تراثها، ولقد عشت فى الهند سنوات وأدركت معنى (غاندي) و(نهرو) فى حياتهم، وقابلت (مانديلا) وأدركت أهمية بروز شخصية إفريقية على هذا المستوى الإنسانى فوق منصة عالمية تشيد بها الشعوب حتى اليوم، ونحن فى مصر محتاجون إلى تكريم عظمائنا وتقدير أسلافنا والتوقف عن اللغة الأحادية التى ترى الماضى من منظور عبثى ضيق لا يعرف قيمة الناس ولا يدرك قول الحق تبارك وتعالى (ولا تبخسوا الناس أشياءهم).
تحية لمن سعى لتكريم أستاذه، واحترامًا لرفيقة مشوار ذلك العظيم الذى نحتفى به، وتهنئة لكل المشاركين فى مجلس أمناء جمعية بطرس غالى من أجل التنمية والسلام ونشر روح التسامح والمحبة بين الأمم والشعوب.
جريدة الأهرام
http://www.ahram.org.eg/NewsQ/707215.aspx