سوف تظل سيناء صخرة تتحطم عليها أطماع الغزاة منذ فجر التاريخ، فهى البوابة الشرقية لمصر وهى الامتداد الآسيوى لخريطتها الخالدة، إنها سيناء حارسة الحدود والمعبر التاريخى نحو مصر، إنها سيناء التى شهدت معارك كبرى فى العقود الأخيرة واختلط ترابها بدماء المصريين البواسل عبر السنين عندما قاتل المصريون دفاعًا عن الحقوق الفلسطينية، وخاضوا المعارك من أجل القضية العادلة التى يؤمن بها العرب منذ بدايات الصراع الدائر حول الأراضى المحتلة، إنها سيناء التى ترتبط حاليًا بأحضان الوطن من خلال مجموعة أنفاق تعتبر إنجازًا ضخمًا بجميع المقاييس، وإذا كنا نريد التحدث عن سيناء بشكل يختلف عن الأساليب الخطابية التى تعودنا عليها عندما نتطرق إلى الحديث عن (أرض الفيروز) فإننا نلفت النظر إلى الحقائق التالية:
أولًا: إن الأطماع التاريخية فى شبه جزيرة سيناء هى تأكيد قوى لمصريتها فضلًا عن أهميتها فى خريطة الوطن، ونحن نكرر دائمًا قولنا إن كل بوصة فى أرض سيناء لا تقل قداسة عن نظيرتها فى ميدان التحرير بالقاهرة، فالأرض الطيبة هى امتداد عضوى لأقدم خريطة حددت جغرافيا مصر منذ آلاف السنين، وليس جديدًا أن تتردد أفكار خبيثة أو مؤامرات مغرضة تحاول النيل من سيناء فذلك هو دائمًا قدر المناطق الحدودية ذات الأهمية الإستراتيجية.
ثانيًا: أن تعمير سيناء يمثل قضية حياة بالنسبة لمصر، فالفراغ السكانى قد جعل الوديان والكثبان والتلال والهضاب مصدر إغراء لمن يتربص بمصر شرًا وتسول له أطماعه وأحلامه أن يكون طرفًا فى وجود أجنبى فوق هذه الأرض المقدسة التى تحدث فيها (موسى الكليم) إلى ربه حديث طور سيناء الذى سجلته الكتب المقدسة، وهو الحدث الروحى الذى اختصه القرآن الكريم فى الذكر الحكيم، والواقع أن قداسة سيناء تمتد تاريخيًا باعتبارها المعبر الآمن من مصر وإليها خصوصًا قبل شق قناة السويس عندما كان الامتداد الأرضى واحدًا يجمع أطراف القارتين الآسيوية والإفريقية فكانت سيناء هى طريق الهجرات التى وفدت إلى مصر واختلطت بشعبها وامتزجت بدماء أبنائها حتى أصبح الجميع جزءًا لا يتجزأ من الوادى المقدس طوي، وعندما استقرت القبائل العربية المصرية فى شمال الجزيرة وأطرافها عند ذلك حدث امتزاج كامل وانصهار إنسانى عميق جعل تلك القبائل مصرية الدم والتكوين عربية الهوى والثقافة وظل أبناؤها رابضين فوق رمال سيناء لا يبرحون مواقع الآباء والأجداد على مر العصور، وعندما ترددت شائعات خبيثة حول تلك القبائل المصرية تصدى لها أبناؤها البواسل فى وطنية شرسة وعناد قومى حتى تولى منصب مدير المخابرات الحربية فى الجيش المصرى وهو من أكثر المناصب حساسية فى القوات المسلحة ـ اللواء (لبيب شراب) ابن سيناء وكان ذلك إعلانًا لأهمية سيناء فى الأمن القومى المصرى ودور أبنائها الشرفاء فى الحفاظ عليه، ولقد لعب (السيناويون) أدوارًا رائعة فى أثناء المواجهات المصرية الإسرائيلية ودفعوا فاتورة الحروب التى جرت فى العقود الأخيرة إلى أن قام الجيش المصرى الباسل بتحرير سيناء تحريرًا كاملًا فاسترد الوطن ترابه الكامل وأرضه المقدسة.
ثالثًا: لقد ظل السؤال معلقًا لعشرات السنين وهو يدور حول قدرة السلطات المصرية ونظامها الإدارى والأمنى على التعامل مع تلك القبائل المصرية تعاملًا يرضيها ويتفق مع تقاليدها التى تختلف بالضرورة عن أهل الدلتا والصعيد وغيرهما من بقاع مصر وأرضها الطيبة، فالمواطن السيناوى شأن كل المصريين يحمل كرامته على كتفه ويؤمن إيمانًا عميقًا بأهمية القبيلة فى هويته وتكوينه ويراها عنوانًا لمصريته ودليلًا على وطنيته، وإذا كانت ظروف سابقة مضت ولن تعود قد جعلت التعامل مع المصريين فى تلك التخوم الحدودية يمضى على نحو لا يرضيها فإن الأمر قد اختلف تأكيدًا للاعتزاز بأهلها وتقديرًا للدور الوطنى لقبائلها، وقد حضرت شخصيًا تكريم الرئيس السيسى رموزا من أبناء سيناء قاموا بأعمال بطولية فى الحروب التى جرت والمعارك التى حدثت.
رابعًا: إن سيناء هى الأيقونة الآسيوية ودرة تاج الوطنية على جبين مصر، ومازلت أتذكر دهشة زميلى السفير العربى فى إحدى العواصم الأوروبية عندما رآنى عضوًا فاعلًا فى أحد اجتماعات المجموعة الآسيوية وبادرنى قائلًا: منذ متى تشارك الدبلوماسية المصرية فى مجموعة غير الإفريقية أو العربية؟! فقلت له: وهل يخفى عليك أن سيناء بامتدادها الجغرافى الواسع هى تأكيد قائم وشاهد عبر العصور على أن مصر دولة إفريقية آسيوية تقف على ناصية الزاوية الشمالية الشرقية من القارة السمراء مواجهة لأوروبا عبر البحر المتوسط منذ طفولة التاريخ؟!
خامسًا: إن تعمير سيناء قد أصبح واجبًا مصريًا له أولويته خصوصًا أننا قد فرطنا فى تحقيق ذلك الهدف الإستراتيجى إلى أن حدثت تطورات دولية وإقليمية برهنت لنا على أهمية سيناء ونوعية القوى الطامعة فيها وجعلت الاهتمام بها وبأهلها جزءًا لا يتجزأ من خطة الوطن نحو نهضته الشاملة، ورغم المخططات المشبوهة والأفكار الغامضة مثل (صفقة القرن) فإن سيناء تبقى بعيدة عن كل المخططات لأن وراءها أكثر من مائة مليون مصرى يرتبطون بها ويدافعون عنها ويموتون عند اللزوم من أجلها.
إن سيناء كانت ولاتزال وسوف تبقى هى بحق أرض الفيروز، هى بحق أرض الرسل والأنبياء، عبرت من فوق أرضها أسرة فلسطينية صغيرة هربت من بطش الرومان عندما دخلها المسيح طفلًا ليسجل فى التاريخ أن أول لاجئ وفد إليها كان هو (عيسى ابن مريم) الذى استقبلته أرض مصر الطاهرة واحتضنته بقاعها المقدسة فكانت مصر بحق هى أرض الرسالات السماوية والثقافات الإنسانية والحضارات البشرية.
جريدة الأهرام
http://www.ahram.org.eg/NewsQ/709282.aspx