لا أكاد أجد له تصنيفًا دقيقًا بين البشر، فهو نموذج لم أرَ له مثيلًا والذين يعرفونه منذ سنوات شبابه – مثلى – وتابعوا مسيرته من البداية، يدركون أننا أمام مزيج فريد من الملاك والإنسان، ولا أزال أتذكر وجهه الهادئ وهو يدخل مبنى القنصلية المصرية فى لندن عام 1972 ليحصل على تأشيرة دخول لزوجته، رحمها الله، وأتذكر أيضًا تواضعه الشديد وأدبه الجم، وكان الكل يهمس وقتها أن هذا الطبيب الشاب الواعد يطرق أبواب المجد فى ثقة وهدوء، وكانت الأخبار تتوالى عن نجاحاته العلمية وتميزه الواضح فى الجراحات الجديدة للقلب، ثم شاءت الأقدار أن لا أراه لسنوات طويلة ولكن كان اسمه ملء السمع والبصر فى كل مكان، إلى أن جمعتنى به فى السنوات الأخيرة عضوية عدد من مجالس الأمناء، سواء فى الجامعة البريطانية أو مكتبة الإسكندرية أو غيرهما من المحافل العلمية والمنتديات الفكرية، واقتربت منه أكثر فبهرنى مرة أخرى بصوته الخفيض وابتسامته الهادئة وبساطته الرائعة وحرصت دائمًا على أن أتحدث معه مستمعًا إليه مستفسرًا منه مقدرًا له، وكلما سألته عن أسباب سفره للدراسة فى الخارج فى ذلك الوقت المبكر من منتصف القرن الماضى، تكون إجابته الهادئة هى أنه سافر من أجل البحث العلمى المتقدم فى فرع جراحة القلب، وهو ما لم يكن متاحًا فى مصر حينذاك، ولم يتاجر أبدًا كما ردد الكثيرون أن وراء سفره مضايقة فى الدخول إلى التخصص المطلوب لأسباب لا تتصل بشخصه ولا تتصف باحترام مبدأ المواطنة وتشجيع الموهبة ودعم الكفاءة دون النظر لأى اعتبار آخر، وقد روى لى أنه ترك غرفة العمليات واستدعى زميلًا له ليكمل الجراحة مرتين فى حياته، الأولى عندما قيل له إن رئاسة الجمهورية المصرية تطلب التحدث إليه فورًا ولأن الرجل مصرى حتى النخاع رغم أنه لا يفرق بين أبناء وطنه أو مرضى إثيوبيا أو رواندا، بل وكل بقاع الأرض إلا أنه ترك غرفة العمليات مسرعًا، بعد أن اطمأن على سلامة المريض واستمرار الجراحة لكى يتلقى رسالة من السيدة «جيهان السادات» تطلب منه الحضور فورًا بطاقم الجراحة وأن طائرة خاصة تنتظره فى مطار «هيثرو» لأن الرئيس «السادات» أصيب بطلقات رصاص فى العرض العسكرى وخلال أقل من ثلاثين دقيقة كان هو وطاقم الجراحة والتمريض يتجهون فى طريقهم إلى المطار، حيث فاجأتهم رسالة من المستشفى تقول لهم إن رئاسة الجمهورية تشكرهم وترى أنه لا داعى للحضور، ويقول عندئذ أدركت أن الرئيس «السادات» أصبح فى رحاب ربه، أما المرة الثانية التى خرج فيها من غرفة العمليات فهى مناسبة سارة، إذ قيل له إن سكرتارية جلالة الملكة تريده على عجل للتحدث إليه، وعندما تلقى المكالمة كان المتحدث هو شخصية مهمة من القصر الملكى «باكنجهام»، يستأذنه فى قبول ترشيح الملكة له للحصول على لقب Sir، وهو لقب لا يعطى للقادمين من أصول أجنبية إلا إذا كانت لهم خدمات جليلة للمملكة المتحدة والإنسانية جمعاء، وعندما جئت مديرًا لمكتبة الإسكندرية منذ عامين، وجدت أنه يزمع منذ شهور طويلة على الرحيل من المكتبة التى أسس فيها مركزًا للأبحاث وأن مبرر انسحابه هو أنه يريد تركيز أعماله فى أسوان لأنه مشتت فى مواقع متعددة، ومازلت حتى اليوم أستميت فى دعوته للبقاء بمكتبة الإسكندرية وأحمد الله أنه قد بدأ يستجيب على أن يكون لدينا مركز للأبحاث له طابع بحر متوسطى، يجمع علماء من مصر واليونان فى مقر مركزه بمكتبة الإسكندرية، لأننى وجدت أن التفريط فى اسم مجدى يعقوب سيكون أمرًا ينال من قيمة المكتبة ومكانتها. ذلك هو «مجدى يعقوب» ابن محافظة الفيوم الذى جاب مع والده عددًا من محافظات مصر حيث كان عمل ذلك الوالد الذى أنجب طفلًا هادئًا لا يتحدث كثيرًا، حتى إن أسرته كانت قلقة من ذلك، فإذا هو النابغة ابن الإنسانية الرائع «مجدى يعقوب» الذى تعلق بجراحة القلب بسبب مرض عمة له، رحمها الله، وقد حضرت معه مؤخرًا حفل زفاف أحد مساعديه على فتاة عملت معنا فى مركز الإعلام العربى وكان الدكتور «مجدى يعقوب» سعيدًا ومرحًا وفرحًا بتلميذه والناس يتجمعون حوله لالتقاط الصور معه وهو يبتسم للجميع ولا يرد أحدًا إذا اقترب منه، ويجمعنى به أصدقاء مشتركون من أمثال الدكتور «مجدى إسحاق»، أستاذ الطب فى لندن، والصديق اللواء «محمد يوسف»، وتلميذه النابه الدكتور «أحمد الجندى»، وقد كان رجل الأعمال الراحل «رشدى صبحى خليل» يحدثنى كثيرًا عن «مجدى يعقوب» فى شبابه واعتزازنا به جميعًا فى لندن فى سبعينيات القرن الماضى.. تحية لهذه الأيقونة البشرية والجوهرة المصرية.. جعل الله أعماله الخيرية فى ميزان حسناته دائمًا.
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1413083