انتهى عام 2016 بانتخاب الرئيس الأمريكى الجديد (دونالد ترامب) وبدأ عام 2017 بتنصيبه الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية، ولا أظن أننا فى مسار حياتنا قد شهدنا جدلًا عنيفًا وتصريحات مطلقة ومواقف غير محسوبة مثلما رأينا فى الشهور الأخيرة، ولقد كان عزاؤنا ولا يزال أن البداية دائمًا تشهد تصعيدًا عاليًا ولكن الجلوس فى (المكتب البيضاوي) للبيت الأبيض يحيط به المستشارون وممثلو مؤسسات الدولة العظمى سوف يضع الرئيس الجديد فى قالب مختلف يكون أكثر عقلانية وأقرب إلى الواقعية على اعتبار أن الحملة الانتخابية وما تلاها هى فترة (عنتريات) معتادة لكل قادم جديد، ولكن الأمر لا يقف عند هذا الحد فقراءة المشهد الأمريكى والدولى تشير إلى حملة اعتراض غير مسبوقة أمريكية وأوروبية ودولية لأن الرجل قد بدأ عهده بتقطيع أوصال العلاقات مع كثير من المؤسسات الأمريكية والدول الأوروبية بل والمجتمع الدولى كله ومع ذلك فإن كل شئ قابل للترميم السياسى والإصلاح بفعل عامل الوقت وتأثير الزمن وسوف تكون الممارسة الحقيقية للرئيس الأمريكى (دونالد ترامب) هى الفيصل فى الحكم عليه أمام محكمة التاريخ التى لا ترحم مهما تكن الدوافع والمبررات، ويهمنى هنا ــــ كمواطن مصرى أن أسجل بعض الملاحظات المهمة فى هذا السياق: أولًا: إننا لا نرى مبررًا للإفراط فى التفاؤل وأيضًا لا للإفراط فى التشاؤم، فالرواية تبدأ فصلها الأول ومن الصعب الحكم عليها من أول مشهد، قد يكون (ترامب) رئيسًا متقلب المزاج حاد الطبع تنقصه الخبرة وتعوزه الحكمة، وقد يكون أيضًا رئيسًا متوازنًا لا يتحمس للتورط الأمريكى الدائم فى كل صغيرة وكبيرة وينأى بواشنطن عن التورط الشبيه بما جرى لها فى أفغانستان والعراق وقبلها فيتنام وكوريا كما أن تركيزه على شعار أن (أمريكا أولًا) هو أمر يدعم وجوده فى هذه المرحلة بعد عقود من اتساع الدور الأمريكى على امتداد القارات الخمس ولذلك فإن الإفراط فى التفاؤل أو التشاؤم كلاهما تورط فى أحكام مسبقة على رئيس ليس له ماضٍ سياسى بحيث يمكن أن نقيس عليه أو نقارن به.
ثانيًا: لدى قلق استقر فى ذهنى عندما رأيت الرئيس المنتخب يتصل برئيسة (تايوان) ويحدث شرخًا فى العلاقات الضخمة بين واشنطن وبكين، واندهشت أكثر للأزمة التى جرت بينه وبين الوكالة المركزية للاستخبارات الأمريكية وشعرت من مجمل تصريحاته بأنه لا يحسبها جيدًا، وقلت فى نفسى متمنيًا ـــ ربما أراد هو ذلك حتى يبدأ مع المشهد من أرضية سلبية بحيث يبدو كل ما يفعله بعد ذلك إيجابيًا ومُرضيًا! وينبع خوفى على الرئيس الأمريكى الجديد من طبيعة نظام بلاده التى تسمح بتوجيه خبطات قانونية وأمنية لأى مسئول كبير بحيث تكون الإطاحة به ممكنة بل وجائزة، فإذا لم يتمكن خصومه من إزاحته بالأساليب الديمقراطية فقد تلجأ بعض جماعات الضغط والقوى الخفية فى المجتمع إلى المخرج الذى مارسته منذ أكثر من نصف قرن مع الرئيس الأمريكى الراحل (جون كيندي) فعالم الجريمة السياسية فى الولايات المتحدة الأمريكية مازال خفيًا بل ومسكوتًا عنه.
ثالثًا: لقد أصبح حلمًا مزعجًا ينتاب العالمين العربى والإسلامى أن يقدم الرئيس الأمريكى المغامر على إعلان (القدس) عاصمة لإسرائيل فى إطار ضجة إعلامية كبرى ربما تقترن بزيارة منه للقدس ليعلن فيها قراره بواحدة من أكبر جرائم العصر إذا حدثت، ونحن ندرك المؤثرات اليهودية حوله بدءًا من زوج ابنته إلى كبار مساعديه وصولًا إلى الالتزامات المتكررة التى أعلنها فى أثناء حملته الانتخابية تأكيدًا لالتزامه المطلق بحماية إسرائيل ودعم أمنها والحفاظ على سلامتها وسوف يكون موقف العرب حرجًا إذ سوف يكون من المؤسف أن يكونوا مضطرين لمهاجمته فى وقت يسعون فى قرارة أنفسهم لخطب وده، سوف تكون معادلة صعبة وموقفًا شائكًا.
رابعًا: إن الحرب على الإرهاب هى مشروعه الدولى ولقد صرح دونالد ترامب فى أكثر من مناسبة وكرر ذلك قبل انتخابه وبعده وقبل تنصيبه وبعده بأن الحرب الشاملة على الإرهاب سوف تدفع به لأن يجتث جذوره من أنحاء العالم خصوصًا فى أرض العالمين العربى والإسلامى إذ إن التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش وبيت المقدس وغيرها سوف تكون هدفًا متاحًا له إذا صدقت نواياه، ولا شك فى أن هذا المشروع يعطيه بعض المصداقية أمام من لا يجازفون بالقيام بهذه المهمة الدولية الكبرى فهى حرب طويلة وشرسة لأنك لا تواجه عدوًا واضحًا ولكن تواجه عدوًا خفيًا يعتمد على حرب العصابات، ولاشك فى أن الحرب على الإرهاب هى أمر يرضى مصر والمصريين لأنه يمثل المشكلة الكبرى فى المنطقة كلها وما نفعله فى سيناء ليس إلا حربًا مصرية على الإرهاب الوافد عليها.
خامسًا: لو أن ترامب تمكن من تمرير مشروع قانون يصدر عن الكونجرس الأمريكى يعتبر جماعة الإخوان المسلمين- باعتبارها الأم الشرعية لكل المنظمات الإسلامية المعتدلة أو المتطرفة أو الإرهابية -جماعة إرهابية فإنه يكون قد وجه لها ضربة قاضية تستهدف تجفيف المنابع وتجميد الأموال فى البنوك وملاحقة القيادات فى كل مكان بالعالم، وفى ظنى أن دولة مثل فرنسا وربما بلجيكا قد تحذو حذوه، ولكن المؤكد هو أن المملكة المتحدة سوف تكون آخر دولة أوروبية تقبل بذلك وقد تشاركها ألمانيا ولو حتى إلى منتصف الطريق فقط، إنها معادلة صعبة وظروف معقدة وعالم متغير بين لحظة وأخري. دعنا نرقب ترامب ذلك الإنتاج الجديد للديمقراطية الأمريكية علنا نجد منه ما يخيب الظنون ويضعه فى مصاف الرؤساء المؤثرين فى التاريخ الحديث للولايات المتحدة الأمريكية وربما فى تاريخ العالم كله .. إنه قادم جديد ليس له (كتالوج) ولكنه وصل لأعلى منصب تنفيذى فى أكبر دولة معاصرة!
د. مصطفي الفقي;
جريدة الأهرام العدد 47538
تاريخ النشر: 31 يناير2017
رابط المقالة: http://www.ahram.org.eg/NewsQ/576697.aspx