ليس المهم أن تعرف نفسك ولكن الأهم هو كيف ينظر إليك الآخر، لهذا فإننى سأضع نفسى فى الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس الأمريكى الجديد (دونالد ترامب) لأرى صورة بلادي، وهذه الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس الجديد تضم عددًا من الشخصيات بعضها له تاريخ سياسى معروف وتوجهات محددة والبعض الآخر يبدو وكأنه قادم من المجهول! ولكن يجمع بينهم ارتباط عام هو السعى إلى تغيير الواقع وإقحام سياسات جديدة بديلًا لسياسات مستقرة وأيضًا إلى إذكاء نعرات متعصبة ونظرات متشددة ساعد على نموها الإرهاب الذى يضرب فى كل اتجاه متغطيًا بعباءة الإسلام ومدعيًا الاحتماء بعمامة ذلك الدين الحنيف وهو براء تمامًا من كل تلك الأراجيف والأكاذيب والإدعاءات، إن (ترامب) ومجموعته ينظرون إلى الدولة المصرية فى وضعها الراهن نظرة تقوم على عدد من الركائز ويشاركهم فى ذلك نائب الرئيس الجديد الذى يبدو شخصية سياسية واعدة تحظى باحترام لدى معظم الأطراف وينتظره مستقبل سياسى مفتوح خصوصًا فى ظل التصرفات غير المحسوبة والمواقف غير المدروسة التى يتورط فيها الرئيس (ترامب) أحيانًا، والآن دعنا نرصد هذه الركائز التى أشرنا إليها: أولًا: يعول كثير من المصريين – وأنا منهم – على تفاعل الكيمياء الشخصية بين الرئيسين (ترامب) و(السيسي) وهذا أمر لا يؤخذ على إطلاقه فالعلاقات بين الحكام لا تكفى وحدها لتحسن العلاقات بين الدول، كما أن (الولايات المتحدة الأمريكية) هى دولة مؤسسات رغم أن النظام الأمريكى هو نظام رئاسى يتمتع فيه رئيس الجمهورية بصلاحيات واسعة ومع ذلك فقد شهدنا عبر التاريخ تدهورًا فى العلاقات بين الدول نتيجة غياب ذلك التفاعل الكيمائى بين شخصيات الحكام، ومن المؤكد أنه سوف تستجد على الطريق نقاط خلاف بين (القاهرة) و(واشنطن) قد يكون أكثرها موقف الدولتين من القضية الفلسطينية واحتمالات شروع الرئيس الأمريكى الجديد فى محاولة إعلان القدس عاصمة لدولة (إسرائيل) بينما ستكون هناك على الجانب الآخر نقاط توافق فى سياسة الدولتين (مصر) و(الولايات المتحدة الأمريكية) وتتجسد فى الحرب على الإرهاب الذى تقوم فيه مصر منفردة بدور فاعل وتدفع فيه ثمنًا أسبوعيًا من شهدائها الأبرار. ثانيًا: يجب أن نعترف هنا بأن هناك إحساسًا أمريكيًا ودوليًا بأن ظروف مصر منذ عام 2011 حتى الآن لا تبعث بالضرورة على التفاؤل المطلق بل إن هناك من يرون أن الدور المصرى قد تراجع إقليميًا بسبب الانشغال بشئون الداخل فضلًا عن المشكلات الاقتصادية والأمنية المتراكمة، وإذا كنا لا نختلف مع القائلين بأن أهمية الشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية قد بدأت فى التراجع هى الأخرى فإن ذلك يجعل من الاعتماد الأمريكى على الدور المصرى فى المنطقة موضعًا للتساؤل الذى لا يمكن الجزم فيه بحماس أمريكى منتظر للسياسات المصرية عربيًا وإفريقيًا، وقد التقيت منذ أيام بالسفير الأمريكى الأسبق فى مصر والذى عمل فى القاهرة فى نهاية ثمانينيات القرن الماضى وأعنى به السيد (فرانك وزنر) والذى لا يزال متفائلًا بعد أن التقى مع الرئيس المصرى (السيسي) فى إطار وفد أمريكى رفيع المستوى إذ أن وجهة نظر (فرانك وزنر) أن الوضع فى مصر يتحسن وأن دورها الإقليمى فى صعود وأن العلاقات بين بلدينا مرشحة لمزيد من التقارب وليس العكس والمعروف أن (فرانك وزنر) هو المبعوث الأمريكى الذى التقى بالرئيس الأسبق (مبارك) قبيل رحيله عن السلطة بأيام قليلة وكان له تصريح شهير فى المانيا فى طريق العودة عبر فيه عن ثقة إدارة (أوباما) فى قدرة الرئيس المصرى الأسبق على السيطرة على الأمور وقتها وقد جاءت الأحداث وقتها بغير ذلك التوقع، ولا يخفى هنا أن العلاقات المصرية الخليجية التى تتميز بفتور مرحلى سوف تنعكس بالضررورة على صورة مصر فى أعين أعضاء الإدارة الأمريكية الجديدة. ثالثًا: لقد كان السيد وليد فارس – وهو مثقف لبنانى مرموق يحمل الجنسية الأمريكية – قد أجرى اتصالًا بالسيد عمرو بدر وهو مصرى يعتبر من أكثر المتخصصين فى الشأن الأمريكى وقد تحدثت وقتها مع ذلك المسئول الأمريكى هاتفيًا إذ يعد مستشار الرئيس (ترامب) لشئون (الشرق الأوسط) وعبرت له عن تقديرنا للبيان الذى صدر عنه يوم التفجير الإجرامى الآثم فى الكنيسة البطرسية وقد عبر لى عن تفاؤله تجاه مستقبل العلاقات المصرية الأمريكية ولكن لا يخفى علينا أن مصر تتحرك وسط مجموعة من التوازنات الصعبة فى هذه المرحلة لأن الخطأ الصغير يمكن أن يتحول إلى خطر كبير فى ظل هذه الظروف الإقليمية الملتهبة والظروف الدولية غير الواضحة بعد وصول الرئيس الأمريكى الجديد إلى السلطة فى واشنطن. رابعًا: يدرك الرئيس الأمريكى (ترامب) وإدارته أن مصر دولة مأزومة اقتصاديًا ولذلك بادر الرئيس الأمريكى الجديد بسؤال الرئيس المصرى فى اتصاله الهاتفى عن ظروف الاقتصاد المصرى ورد عليه الرئيس (السيسي) ردًا موفقًا حين قال: (يكفى أننا نحارب الإرهاب وحدنا على امتداد أربعين شهرًا حتى الآن). خامسًا: دعنا نقول إن مصر كانت سباقة عندما دعا رئيسها إلى تجديد الخطاب الدينى منذ سنوات ثلاث فلقد كانت (قاهرة الأزهر الشريف) رائدة فى هذا السياق وهو أمر يعطيها ميزة أمام إدارة الرئيس الأمريكى الجديد كما يضع على عاتقها فى نفس الوقت مسئولية قيادة تيار إسلامى معتدل على امتداد العالمين العربى والإسلامى وتلك هى أفضل خدمة تقدمها مصر للإسلام الحنيف بل وللمسلمين فى بقاع الأرض ولا أرى دولة إسلامية مؤهلة لذلك أفضل من مصر ويكفى أن نتذكر أن (أوباما) عندما أراد أن يخاطب العالم الإسلامى فى بداية عهده خاطبه من فوق منبر (جامعة القاهرة) حيث دولة الأزهر الشريف والإسلام الوسطى المعتدل. هذه محاولة مبدئية لرصد الرؤية الأمريكية تجاه السياسة المصرية داخليًا وخارجيًا بعد وصول (ترامب) – بما عليه وما له - لأرفع منصب فى العالم المعاصر!
د. مصطفي الفقي;
جريدة الأهرام العدد 47552
تاريخ النشر: 14 فبراير 2017
رابط المقالة: http://www.ahram.org.eg/NewsQ/578890.aspx