تمثل التخوم المتقدمة عند الحدود الدولية لكل دولة بقعًا مقدسة شديدة الحساسية بالنسبة للأوطان، وفى الحالة المصرية فإن أهل سيناء وأبناء النوبة وبدو الصحراء الغربية يمثلون مع غيرهم حراسًا لبوابات مصر، وهم بذلك وطنيون مخلصون يدافعون عن الحدود المرسومة منذ العصر الفرعوني، ولابد أن تمضى معاملة الدولة المصرية مع أبنائها واضعة فى اعتبارها ضرورة الاهتمام بأحوال تلك القطاعات المهمة من شرائح السكان الذين نعتز بهم ونفخر بالانتماء إليهم، وإن كانت هناك أخطاء قد وقعت من قبل فى حق هذه التجمعات البشرية المصرية إلا أنه قد آن الأوان لتصحيح الأوضاع، وبناء جسور الثقة بين أبناء الدلتا والوادى فى جانب، وسكان التخوم من حراس الحدود فى جانب آخر، إن قبائل سيناء والصحراء الغربية وجنوب البحر الأحمر هم جزء لا يتجزأ من النسيج القوى للوطن المصري، سواءً كانت مسمياتهم هى (السواركة) أو (أولاد علي) أو (العبابدة) و(البشارية) أو غيرها، فالمجتمع المصرى بتعدديته من سواحله الواسعة على البحرين الأبيض والأحمر وامتدادًا لمجرى النيل من أعالى الصعيد، وصولًا إلى المصب فى نهاية فرعى الدلتا عند دمياط ورشيد إنما هى فى مجموعها كتلات بشرية متجانسة، سواء كانت البيئة صحراوية أو زراعية أو صناعية، فمصر كيان كبير يرقد على ثروات طبيعية هائلة، ويملك أيضًا ثروات بشرية عظيمة وفيه ملخص شامل لكل ثقافات المنطقتين العربية والإفريقية حتى إن (الأمازيغية) مازالت مستخدمة حول واحة سيوه فى الصحراء الغربية، لأن الوجود المغاربى مستقر فى مصر منذ عدة قرون. ولكن الشئ الرائع فى مصر هى أنها تصهر جميع الأصول العرقية فى بوتقة واحدة وتصنع منها نسيجًا وطنيًا متينًا، وقد يكون من المستحسن أن نطوف بين ما يلي:
عرب سيناء
هم خط الدفاع الأول عن الأرض المصرية علمًا بأن قداسة كل شبر فى سيناء هى ذات القداسة لأى شبر فى ميدان التحرير بالقاهرة، واستقراء التاريخ يؤكد أن الغزاة حاولوا دائمًا اقتحام مصر من بوابتها الشمالية الشرقية لذلك اعتبر الجيش المصرى العريق خطوط دفاعه الأمامية أبعد من ذلك بحيث تتوغل فى أراضى الشام، لأن العسكرية المصرية أدركت مبكرًا أن ملاقاة العدو لا تكون عند حدودها المباشرة، ولكنها تبعد عن ذلك بمئات الأميال وتصل إلى (حطين) و(عين جالوت) وغيرهما، من هنا فإن القبائل المصرية التى تسكن شبه جزيرة سيناء فى الشمال والوسط والجنوب إنما تتحمل مسئولية كبرى فى صيانة الأمن القومى ورعاية المصالح العليا للبلاد والدفاع عن حدوده الملتهبة، وقد جاء حين من الدهر تدهورت فيه العلاقة بين سلطة الحكم وأجهزته المختلفة فى جانب، وأشقائنا البدو فى جانب آخر، ولم تتفهم الشرطة المصرية أحيانًا طبيعة البدوى السيناوى الذى تبدو كرامته هى أعز ما يملك فحدثت جفوة مرحلية أدت إلى فجوة مؤقتة بيننا وبين أشقائنا من أبناء سيناء درة الوطن وأيقونة الفيروز على خريطة مصر، ولابد أن نعترف هنا بأن عرب سيناء قد خاضوا الحروب دفاعًا عن مصر وطنهم الأم ودفعوا ضريبة الدم فى بسالة وشرف، وكانوا موضع ثقة الوطن حتى إن أخطر منصب فى القوات المسلحة المصرية قد شغله من قبل ضابط سيناوى كبير، هو اللواء أركان حرب (لبيب شراب) الذى كان مديرًا للمخابرات الحربية.
أهل النوبة
هم أصل الحضارة المصرية العريقة وحراس الحدود وسدنة الآثار الخالدة، لم يترددوا ذات يوم عندما تم إجلاؤهم من أرض الآباء والأجداد التى غمرتها مياه بحيرةالسد، ولأنهم مصريون مخلصون فإنهم لم يترددوا فى القبول بتلك التضحية الكبيرة من أجل المشروع القومى العملاق الذى ارتبط بالعصر الناصرى وسنوات الحلم الوطنى التى لا تغيب عن الذاكرة المصرية أبدًا، فالنوبيون هم نموذج الأمانة، والصدق وهم يمثلون طرازًا وطنيًا فريدًا وتمتد جذورهم حضارًيا إلى قدامى المصريين ولهم مطالب مشروعة تبناها دستور البلاد الأخير، ولست أشك فى جدية الدولة فى التعامل معهم وتعويضهم عن الأضرار التى لحقت بهم فى العقود الماضية، وليكن اعتزازنا بهم وحرصنا عليهم هو تعبير عن أخوة الدم التى تربطنا بهم عبر تاريخنا الطويل.
بدو الصحراء الغربية
إننى أنتمى إلى محافظة البحيرة وولدت فى إحدى قراها، وأتذكر جيدًا أنه كانت هناك فى القرية أسرة باسم (القذافي) امتدادًا للتواصل الممتد مع ليبيا بل والمغرب العربى كله عندما كان لدينا فى الأزهر (رواق المغاربة) وفى الإسكندرية حى باسمهم حتى إن أضرحة (المرسى أبو العباس) و(السيد البدوي) و(سيدى إبراهيم الدسوقي) وغيرهم إلى (أبو حصيرة) الذى يقبع قبره على مشارف مدينة دمنهور كل هؤلاء قادمون من المغرب العربى على اختلاف دياناتهم وأصولهم لذلك فإن غرب الإسكندرية بما فيه محافظات البحيرة والفيوم والوادى الجديد ومرسى مطروح هى كلها تمثل مكونًا سكانيًا هو أحد روافد الشعب المصري، لذلك كانت قبائل الصحراء الغربية هى امتداد لحدودنا الطويلة مع دول الشمال الإفريقي، حيث جاءت هجرات من تلك المناطق قبل وفود الفاطميين وبعدهم لكى تتشكل منها فى النهاية الشخصية المصرية بهويتها المعروفة وتركيبتها السكانية المتجانسة، ويعتبر حراس الحدود الغربية من شمالها إلى جنوبها جزءًا لا يتجزأ من نسيج الوطن المصرى الواحد. لقد هدفت من هذه الإشارة الموجزة إلى حراس حدودنا المقدسة لكى ألفت الانتباه إلى أهمية توثيق حالة التوحد العضوى بين أطراف مصر شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا، خصوصا أننا نجتاز مرحلة عصيبة فى تاريخنا تستوجب اليقظة والصحوة والحذر والانتباه.
د. مصطفي الفقي;
جريدة الأهرام العدد 47559
تاريخ النشر: 21 فبراير 2017
رابط المقالة: http://www.ahram.org.eg/NewsQ/579977.aspx