الزراعة هى تأمين الغذاء، والصناعة هى ضمان الكساء، والسياحة هى مصدر النقد الأجنبى؛ ويتحكم هذا الثالوث، بالإضافة إلى مصادر أخرى مثل عائد قناة السويس وتحويلات المصريين فى الخارج، لكى تشكل جميعها مصادر للدخل القومى المصرى، وإذا أردنا ترتيب الأوضاع فإن التصدير هو الطريق الأمثل لتحقيق تراكم نقدى يسمح باستيراد السلع الضرورية لشعب يتزايد بمتوالية هندسية مفزعة، وعندما صاح «هتلر» ذات يوم (التصدير أو الموت)، كان يلمس وترًا حساسًا لدى الأمة الألمانية حينذاك، ونحن هنا فى مصر لنا ميزات نسبية متعددة يجب أن ندرسها بعناية وأن ننطلق منها فى محاولة جادة ومستمرة لتطويق الفقر وإيقاف دائرة العوز وفتح أبواب الأمل أمام الأجيال الجديدة للتمتع بحياة أفضل مما هم فيه مع توفير فرص عمل تؤثر على مستقبل الشباب الواعد، وهنا لا بد أن أعترف أن مشروعات البنية الأساسية التى قامت بها الدولة فى السنوات الأخيرة قد امتصت قدرًا كبيرًا من فائض العمالة حتى تراجعت بشكل ملحوظ معدلات البطالة خصوصًا فى أوساط العمال والحرفيين وأصحاب المهن المتصلة بالتشييد والبناء، وهنا يكون من المناسب استعراض المزايا النسبية التى نتمتع بها من خلال النقاط التالية:
أولًا: ليست هناك دولة عبر التاريخ اختارت موقعها ولكنها منحة الطبيعة والتقاطع الحادث بين عنصرى الزمان والمكان أى بين التاريخ والجغرافيا، ومصر تقع على الناصية الشمالية الشرقية للقارة الإفريقية فى موقع عبقرى حاكم يطل على القارات القديمة الثلاث إفريقيا وآسيا وأوروبا، وذلك يجعل جاذبيتها للاستثمار الصناعى ذات ميزة نسبية خصوصًا أنها تطل على بحرين مفتوحين هما البحر الأبيض والبحر الأحمر فضلًا عن أنها دولة المصب لواحد من أطول أنهار الدنيا وهو نهر النيل.
ثانيًا: لكل إقليم فى العالم دولة هى المحور، فالهند هى الدولة المركزية لجنوب آسيا، والصين هى الدولة المحورية فى شرق آسيا، ومصر هى الدولة المركزية والمحورية فى غرب آسيا وشمال إفريقيا معًا وذلك يعطيها فرادة تجعل جاذبيتها مرتبطة بعنصرى الريادة والسيادة، ولها السبق فى كثير من مجالات الحياة المعاصرة، ولا يجادل أحد فى أن مصر عربيًا وإفريقيًا وإسلاميًا ومتوسطيًا هى دولة المركز وهى قاعدة المنطقة وركيزة استقرارها.
ثالثًا: إن مصر عرفت الزراعة قبل غيرها إذ ساعد وجود النهر على تكوين دولة مركزية مبكرًا اعتمدت على الزراعة وخرجت من مرحلتى الصيد والرعى قبل غيرها، وإذا كانت الزراعة قد تراجعت فى العقود الأخيرة لأسباب تتصل بالزحف العمرانى على الأرض الزراعية إلى جانب تأثير قانون الإصلاح الزراعى فى تفتيت الملكية وإضعاف الناتج القومى من الأرض الزراعية بل انخفاض غلة الفدان فى بعض المحاصيل فضلًا عن تراجع زراعة القطن الذى كان يمثل فى فترة معينة من تاريخ البلاد عصبًا للاقتصاد القومى.
رابعًا: عندما جاء سليم الأول إلى مصر نزع منها كل الخيرات حتى أبواب المساجد وأجراس الكنائس وأرسل كل الخبرات المهنية والفنية إلى تركيا- وكان فيها نسبة لا بأس بها من الأقباط البارعين فى الحرف- ولحسن الحظ أن معظمهم قد عاد إلى الوطن بعد سنوات تم فيها استنزاف خبراتهم وامتصاص قدراتهم لصالح الإمبراطورية العثمانية التى فرضت الظلم والظلام على المنطقة بأسرها، وقد تأثرت الصناعة المصرية تلقائيًا بهذه النوعية من الجرائم التى بدأت بغزو الأتراك واستمرت حتى عمليات استنزاف العقول المتعلمة من المصريين الذين يعملون فى أركان الدنيا الأربعة لحساب دول أخرى ولصالح مجتمعات مختلفة.
خامسًا: نشاهد أحيانًا فى بعض المواقع المصرية ذات التقنية العالية ما يضارع بغير جدال نظيراتها فى دول العالم المتقدم ولكن الفارق الوحيد يكمن فى غياب ثقافة الصيانة وانعدام قدرة المحافظة عليها، ولذلك فنحن متهمون دائمًا بأننا نجيد البدايات ولكننا لا نكمل الطريق لأسباب تتصل بنقص الجدية وقصر النفس!.
إن الزراعة المصرية يجب أن تستعيد تاريخها الأخضر، والصناعة المصرية يجب أن تمضى نحو مستقبلها الواعد، والسياحة المصرية تحتاج إلى الارتقاء بالخدمات بدءًا من الطيران مرورًا بالفندقة وصولًا إلى نظافة المناطق الأثرية مع شيوع ثقافة التعامل مع الزائر الأجنبى واحترام السائح القادم دون تهويل أو تهوين.
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1453242