وجهت لى الدعوة مع غيرى- من الشخصيات التى عرفت د. على السمان فكانوا من أصدقائه أو زملائه - السيدة قرينته، وهى فرنسية الأصل، راقية الخلق، محبة لمصر والمصريين، ود. على السمان تربطنى به صلات طويلة تمتد إلى النصف الثانى من ستينيات القرن الماضى، حيث تعرفت به من خلال زميلتى الراحلة السفيرة هدى المراسى، التى جمعتها به زمالة العمل فى مدينة النور باريس، ثم توثقت العلاقة بينى وبينه أكثر من خلال الآراء التى يبديها والمواقف التى يتخذها، وأتذكر أنه لفت الأنظار بعد ذلك عندما كان مرافقًا لـ(جان بول سارتر) فى زيارته الوحيدة لمصر قبيل نكسة يونيو عام 1967، وظل على السمان فى ذهنى نموذجًا للمثقف المصرى الفرانكفونى المعنىّ بقضايا الإعلام والمهتم بوسائله المختلفة، حتى أصبح مندوبًا للإعلام المصرى فى أوروبا كلها، مع علاقات ذات خصوصية بالدولة الفرنسية، إلى أن تفرغ فى سنواته الأخيرة لموضوع (الحوار بين الأديان)، فكان طرفًا فاعلًا فى ذلك الشأن، ثم اقترب أيضًا بسبب ذلك من الأزهر الشريف، خصوصًا فى عهد الإمام الراحل د. محمد سيد طنطاوى، وقد رأى (معهد سان دومنيكان) أن يسمى إحدى قاعاته باسم د. على السمان، اعترافًا بفضله وتخليدًا لذكراه، وقد حضر حفل التأبين السيدة ليا قرينة د. بطرس بطرس غالى، ود. محمود زقزوق، وزير الأوقاف الأسبق، والأمير عباس حليم وحشد من نجوم السياسة والدبلوماسية والإعلام، إلى جانب خطاب مسجل تليفزيونيًا من د. على جمعة، ينعى فيه صديقه ويترحم عليه ويتذكر أفضاله، ولكن الذى بهرنى حقًا فى تلك الأمسية هو درجة الرقى العالية فى المبنى الضخم لمعهد سان دومنيكان، والثقافة الواسعة لرهبانه اللاتين، وتذكرت رئيس هذا الدير الراحل (الأب قنواتى)، والذى يعنينى هنا أن أسجل إعجابى بالأمسيات الدينية والثقافية التى تهتم بالشأن الاجتماعى، فلقد رأيت لدير سان دومنيكان مكتبة عظيمة وقاعات رائعة وحديقة فريدة، وتساءلت كيف يوجد مثل هذا المكان فى تلك البقعة المزدحمة من شارع مصنع الطرابيش بالعباسية؟! ولم أكن قد جئت إلى هذا المكان منذ ستينيات القرن الماضى، عندما كان (الأب قنواتى) يملأ المكان بالمثقفين والمفكرين والعلماء من كافة الجنسيات، إيمانًا بوحدة الجنس البشرى، واعترافًا بالانصهار الكامل بين الناس من كل دين أو جنس أو لون، ولقد شارك فى الاحتفال الدكتور منير حنا، رئيس الطائفة الإنجليكانية، والأب رفيق جريش، ذلك الصديق الذى أعتز به مسؤولًا عن الاتصال مع الفاتيكان منذ سنوات، وأيقنت أن الكاثوليك يهتمون كثيرًا بالأديرة والكنائس مثلما هو الشأن بالنسبة للأرثوذكس والإنجيليين وغيرهم من الطوائف المسيحية التى تعاملت معها، وأسعدنى أنه توجد بقاع ذات طابع ثقافى واجتماعى، مثل دير سان دومنيكان، الذى يديره رهبان فرنسيون فى معظمهم، ولكنهم تمصروا حتى يبدو صعبًا أن تدرك أصولهم الفرنسية أو الأجنبية عمومًا، إننى أحيى ذكرى د. على السمان من خلال هذه الأمسية الثرية، وأتذكر أنه هو صاحب العبارة الشهيرة عندما وصف البابا شنودة فى حفل الأربعين لرحيله منذ سنوات، إذ قال عنه د. السمان: إنه كان عبقرى المودة، وكان ذلك فى احتفال مهيب بالكاتدرائية المرقسية، وبرئاسة قائم مقام البابا الصديق الحكيم الأنبا باخوميوس.
إن مصر سوف تظل دائمًا حاضنة للحضارات والثقافات والديانات، أو هكذا يجب أن تكون بحكم تقاطع خطوط الطول التاريخية ودوائر العرض الجغرافية لشعب فريد بتراث عريق وموقع فريد، ولأننى أتشرف بإدارة مؤسسة ثقافية مصرية ذات طابع عالمى- وأعنى بها مكتبة الإسكندرية- فإننى معنىّ مع غيرى بأن تستعيد مصر كافة قواها الناعمة فى كل الاتجاهات، لأن أغلى سلعة تصدرها مصر إلى شعوب الدنيا هى السلعة الثقافية بمحتواها الحضارى والدينى والأخلاقى.
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1455298