عمرو عبدالسميع
اختلف الناس حوله ولكن لم يختلفوا عليه، عارض البعض آراءه ولكنهم ظلوا على احترامهم له، هو واحد من أرفع الكفاءات الصحفية مقامًا واقتدارًا، باحث جاد، ومفكر عميق، ومثقف كبير افتقدته الصحافة المصرية والإعلام العربى فى زحام حدث دولى كئيب، لقد كان عمرو عبدالسميع فى طليعة كتَّاب جيله ومن أكثرهم اطلاعًا وفهمًا للشؤون الدولية والإقليمية والمصرية، نعم كان يتميز بقلم حاد وعبارات مباشرة ولكنه كان يعبر عن قناعاته ويكتب ما يؤمن به، خاض معارك شرسة مع غيره وخسر الكثيرين وكسب الكثيرين أيضًا، وقد اختلفت معه أحيانًا ولكنى حافظت على شعرة معاوية بينى وبينه، فلقد عرفته منذ سنوات طويلة واقتربت منه عندما كان مديرًا لمكتب صحيفة الحياة بالقاهرة، وعندما كان مديرًا لمكتب الأهرام فى لندن، وحين عاد إلى الوطن ليقدم (حالة حوار) تليفزيونيًا وصحفيًا، وقد اقترب من العملاقين محمد حسنين هيكل وأحمد بهاء الدين، فكان جليس الأول فى سنواته بلندن وكان تلميذًا مباشرًا للثانى عندما ناقشه فى رسالته للدكتوراه، وهو ابن لواحد من أبرز رسامى الكاريكاتير فى مصر؛ لذلك كان قريبًا من عالم الصحافة منذ طفولته، وعاش معظم سنوات حياته فى صراع صامت مع المرض ينتصر عليه دائمًا، ولكن المرض انتصر فى النهاية، وفقدنا واحدًا من ألمع كتابنا وأغزرهم علمًا وأوسعهم ثقافة وأعمقهم فكرًا، ولا شك أن الذين اختلفوا معه يتفقون معى اليوم فى أن رحيله خسارة للقلم المصرى والإعلام العربى.
عبدالحى مشهور
هو أستاذ أساتذة جراحة العظام فى مصر، اقترن اسمه بجامعة طنطا فى سنواتها الأولى رئيسًا لها وراعيًا لاسمها الوليد، امتدت أبحاثه الطبية إلى العصر الفرعونى وتوالت كتاباته الخصبة عبر السنين فلم يكن أستاذًا فى الطب فقط ولكنه ضرب بسهم فى الدراسات الإنسانية وربط بينها وبين معارفه الأكاديمية فكان نموذجًا متفردًا خصوصًا وأن العمر قد امتد به ليعاصر أجيالًا من أساتذته وزملائه وتلاميذه، ولقد سعى إلىّ- رحمه الله- بتواضعه الشديد وأدبه الجم من خلال اتصالات هاتفية منتظمة عبر السنوات الأخيرة ليناقش مقالًا لى، أو يعلق على حادث جرى، أو يحدثنى عن كتاب جديد له أو رؤية يتبناها أو فكرة طرأت عليه، حدثنى ذات يوم منذ شهور قليلة عن حزنه من أنه لم يتمكن من مصافحة الرئيس السيسى فى حفل عيد العلم بسبب ظروف ترتبط بعامل الوقت، ولكنه ما لبث أن اتصل بى بعدها بعدة أيام يبلغنى أن وزير التعليم العالى د.خالد عبدالغفار قد هاتفه بتحية خاصة وشرح له ظروف ما جرى؛ ذلك أن وزير التعليم العالى يعرف قدر العلماء ومكانة من أسهموا فى المسيرة العلمية للوطن، وها هو عبدالحى مشهور يرحل بعد أن جاوز التسعين بسنوات تاركًا رصيدًا كبيرًا لدى تلاميذه ومرضاه وكل من نهل من علمه أو استمد من ثقافته.
منصور الجمال
كان صديقًا عزيزًا وإنسانًا ودودًا، يبدو دائم الابتسام قريبًا من القلوب، محبًّا للبشر، يتمتع بنقاء تلقائى ووضوح ظاهر، رحل عنا فى زحام هذه الأيام الصعبة فنعاه كل أصدقائه ومعارفه- وما أكثرهم!- متفرقين بسبب الداء اللعين، وهو سليل عائلة عريقة من دمياط، وقد عرفته منذ عشرات السنين عندما قدمنى له فى العاصمة البلجيكية صديقنا المشترك الدكتور محمود أباظة، الرئيس الأسبق لحزب الوفد، ويومها اكتشفت أن منصور الجمال الذى عمل دبلوماسيًا فى الجامعة العربية هو إنسان يحمل صفات نادرة، فتواصلت صداقتنا عبر السنين ولم تتوقف أبدًا، وذات يوم وفى إحدى الحفلات وجدت رجل الأعمال الشهير محمود الجمال يترك مجموعة يقف معها ويتجه مسرعًا نحو شقيقه ويصافحه فى محبة واحترام، فسألت محمود الجمال: لماذا فعلت ذلك؟! قال ببساطة: لأنه أخى الكبير.
وأنا أعرف هذه العائلة المعطاءة منذ كانت الدكتورة فاطمة الجمال رئيسة (الكومسيون الطبى) فى سبعينيات القرن الماضى تزورنى فى لندن بانتظام بحكم طبيعة عملى وعملها فى علاج المصريين بالخارج، وكانت شخصية صارمة وطيبة فى نفس الوقت، ولقد أخذت عنها نقطة البداية لفهم ذلك البيت العريق الذى تولى أحد أبنائه منصب محافظ دمياط وهو أبوبكر الجمال، وعندما اقترن منصور الجمال بالفنانة المصرية الرائعة ثم افترقا ظل كل منهما يحمل للآخر الود والتقدير، وما سمعت من أحدهما بعد الانفصال إلا كلمات راقية تعد نموذجًا للعلاقات بين من كانوا زوجين ذات يوم.. لقد ترك منصور الجمال لدينا جرحًا لن يندمل وحزنًا لا ينتهى.
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1970815