شاهدت مؤخرًا حديثًا مفزعًا لسيدة عربية من الكويت الشقيق وكنت قد شاهدت قبلها بأيام حديثًا لمثقف عربي من الكويت أيضًا يتحدث فيه عن علاقات بلده الشقيق بمصر، وقد روعتني اللغة التي تحدث بها الاثنان عن فقراء مصر والآراء الخاطئة التي جرى طرحها واضعين في الاعتبار أن العلاقات بين مصر والكويت ذات طابع تاريخي ناصع لا يجب المساس به أو التشكيك فيه، فلقد وقفت مصر مرتين إلى جانب تلك الدولة الخليجية - العزيزة على قلوب المصريين - حرصًا على استقلالها ورفضًا لمحاولة ابتلاعها إيمانًا منا بسيادة الدول ودور الكويت في التاريخ العربي الحديث، لقد كانت المرة الأولى عندما ساند جمال عبد الناصر استقلال دولة الكويت أمام أطماع عبد الكريم قاسم، والثانية عندما شاركت القوات المصرية في التحالف الدولي لتحرير الكويت بعد غزو صدام حسين لها، ولازلت أتذكر التواصل المستمر بيني - وأنا سكرتير للرئيس الراحل مبارك للمعلومات - وبين سفير دولة الكويت في القاهرة عبد الرزاق الكندري وهو دفعتي من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة وكيف كان التنسيق كاملًا بين الموقف المصري الذي جرى اتخاذه في الحال وبين الوضع في الكويت الشقيق في تلك الليلة، وأتذكر أن سفير الهند في القاهرة قد أجرى اتصالًا هاتفيًا بي غداة الغزو يطلب تفاصيل الموقف المصري قائلًا لي: إن الهند رأت أن يكون موقفها مطابقًا لموقف أكبر دولة عربية، لذلك آلمني كثيرًا أن يتعرض حديث الأشقاء من الكويت لدور مصر في معركة التحرير الثانية بالإقلال من شأن قواتها والاستخفاف بجيشها وهو حاليًا واحد من الجيوش العشر الكبرى في العالم المعاصر! كما أحزنني أن يتناسى الأشقاء أن دور مصر وسوريا كان هو الغطاء السياسي القومي الذي سمح باستيراد قوات أجنبية للدفاع عن أرض عربية ضد عدوان عربي على الجانب الآخر وقد دفعت مصر بعدها فاتورة غالية في علاقاتها مع العراق الشقيق تحت حكم صدام حسين، ولم تكن الأحاديث من أشقائنا في الكويت هي الوحيدة بل سبقتها أحاديث في نفس الاتجاه وعلى درجات متفاوتة من عضوات في مجلس الأمة الكويتي أو على ساحة العمل العام، ولقد أسعدني أن الصديق العزيز مرزوق الغانم رئيس مجلس الأمة الكويتي حاليًا قد أدلى بأحاديث منصفة في هذا السياق تنبع من نقائه القومي وموضوعيته المعروفة وقد زاملته لعدة سنوات في البرلمان العربي عندما كنت نائبًا لرئيسه وكنت أتوقع له - بيني وبين نفسي - مستقبلًا زاهرًا في الحياة السياسية لبلاده لما عرفته من رؤيته الثاقبة وخلقه الطيب، وفي ظني أن التراشق بين مثقفين من مصر والكويت وغيرها من دول الخليج هو جريمة حقيقية ندفع ثمنها جميعًا بلا استثناء، فالعلاقات المصرية الخليجية تضرب في أعماق التاريخ ولقد وقف أشقاؤنا في الخليج إلى جانب مصر في حروبها وأزماتها وقاتلوا معها على ضفتي القناة ودعموا مشروعات تنموية وتطوعية فيها على نحو لا ننكره، ولهذا فإن ما يدور من نقاش حاد بين الأشقاء هو أمر ليس له ما يبرره بل يصب في خانة يسعد بها الفرس والترك بل وإسرائيل أيضًا، وليتذكر أشقاؤنا في الكويت أن شعبهم الطيب قد خرج في نهاية الخمسينيات إلى الشوارع ينظر إلى السماء تحية للطائرة التي أقلت عبد الناصر من رحلته الشهيرة إلى الهند وباكستان، ولقد كان الكويتيون شعبًا حاضنًا للمواقف القومية بدءًا من دورهم مع أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق مرورًا بحسن استقبالهم للخبراء العرب من مصر ودول المشرق ودول المغرب في أمتنا الكبيرة، ولقد تمت عودة مصر إلى منظمة التعاون الإسلامي من خلال المؤتمر الذي انعقد في عاصمة الكويت بتنظيم ورعاية من العاهل السابق للبلاد رحمه الله، ولقد عرفت شخصيًا ردود فعل الشعب المصري غداة احتلال قوات صدام للكويت وكيف كان القلق باديًا بسبب الحدث الكبير والترحيب واضحًا بالأشقاء القادمين من الكويت إلى وطنهم الثاني، وقد كنت وقتها في مطبخ السياسة المصرية وشهدت موقف القيادة السياسية للبلاد وهي تدعم الشعب الكويتي والأسرة الحاكمة بلا تردد رغم كل الإغراء والترهيبات والتهديدات من الجانب العراقي واضعين في الاعتبار العلاقات الوثيقة بين الشعبين المصري والعراقي أيضًا وهما صنوان تواكبت علاقتهما مع حركة التاريخ والتواصل الحضاري المشترك بين الدولتين الكبيرتين، والمعروف عن القيادة السياسية المصرية الحالية أنها تتميز بعفة اللسان واحترام سيادة الدول والحرص على المصلحة القومية والامتناع عن التدخل في الشئون الداخلية كما أنها لا ترحب بالتراشق بين أبناء مصر وأشقائهم في الخليج لأن كلًا منا هو عمق استراتيجي للآخر وحتى لو غرد طائر منها خارج السرب فإنه سوف يعود إليها يومًا ما لأن الدماء المشتركة والقومية الواحدة والعروبة التي تجري في عروقنا وعيًا وثقافة ومصيرًا تجعلنا ندرك الحقيقة ونمتنع عن السقوط في مستنقع الأوهام أو بئر الخطيئة في حق أمة يفترض أنها كانت خير أمة أخرجت للناس، إنني أكتب هذه السطور بدافع قومي وحب حقيقي لبلد عربي شقيق نعرف مثقفيه وكتابه من أحمد الجار الله ومحمد الرميحي وسليمان العسكري وغيرهم من جيش المثقفين العرب أبناء الكويت، ويكفي بلادهم فخرًا دورها الثقافي فهي التي أصدرت سلسلة كتب علمية شهرية موثقة تحت عنوان (عالم المعرفة) والتي ظلت نافذة يطل منها المثقفون العرب على العالم حولهم، ولقد أهداني منذ أيام أستاذ أساتذة العلوم السياسية الدكتور علي الدين هلال كتابه الجديد كآخر إصدارات هذه الدار المضيافة للفكر والثقافة، كما أقول لهم إن المثقفين العرب مدينون لمجلة (الكاتب) التي ترأس تحريرها منذ عدة عقود مصريان لامعان هما الدكتور أحمد زكي العالم المعروف والأستاذ أحمد بهاء الدين الكاتب الصحفي العزيز على الفكر القومي والتوجه العروبي، فنحن جميعًا شركاء قدر ومصير وحياة، التاريخ يقول بذلك، والجغرافيا تشير إليه، والتحديات التي تحيط بنا تؤكده، ومن يستهدفون سيادتنا وسلامة أراضينا يتفقون في المصالح وإن اختلفوا في الأساليب، فلتبقى العلاقات المصرية الخليجية رمزًا مضيئًا مهما كانت التحديات أو ظهرت في الطريق بعض العثرات.
نُشر المقال في جريدة الأهرام بتاريخ 9 يونيو 2020.