من بين الشعوب العربية نرى أن أبناء الخليج عمومًا تستهويهم الحياة فى مصر ويأتنسون بأهلها، ويتميز السعوديون تحديدًا بوضوح هذه الظاهرة لديهم، ولقد عرفنا عائلات سعودية اختار بعض أبنائها مصر وطنًا ثانيًا بسبب طيبة أهلها واعتدال جوها وتنوع المناطق السياحية فيها مع نجاح الاستثمارات فى أنحائها فجاءوا بأموالهم ومشروعاتهم وامتزجوا بالشعب المصرى مع ولائهم بالطبع لبلدهم الأصلى المملكة العربية السعودية، ولقد عرفت شخصيًا أصدقاء قريبين من بيوت «الشبكشى» و«الشربتلى» و«صالح كامل» وغيرهم، ولكن الأخير استأثر بحب زائد لمصر واندمج فى الحياة العامة فيها واستثمر جزءًا كبيرًا من أمواله فى مشروعاتها، وأنا أتذكر أن الرئيس الراحل «مبارك» قد استقبله ذات يوم فى ثمانينيات القرن الماضى ودعانى إلى حضور اللقاء؛ باعتبارى سكرتيره للمعلومات، ونظر للشيخ صالح كامل وقال له: «إذا كان لديك شىء عاجل، فاتصل بهذا المسؤول؛ فهو يعرف كيف يوصل المعلومة لدىّ فورًا»، ومنذ ذلك اليوم توثقت علاقتى بالشيخ صالح كامل وأعجبت بثقافته الإسلامية الغزيرة وتعززت علاقتنا بالعضوية المشتركة فى مؤسسة الفكر العربى التى أسسها صاحب السمو الملكى الأمير خالد الفيصل، وأشهد الله أننى رأيت الشيخ صالح كامل مثل أقرانه من السعوديين مهمومًا دائمًا بأوضاع مصر الاقتصادية وأحوالها العامة رغم معاناته أحيانًا من البيروقراطية المتجذرة، وعندما نعى الناعى رحيل الشيخ صالح كامل شعرت أن فصلًا من فصول العلاقة الوثيقة بين الشعبين المصرى والسعودى قد تغير، وأن صفحة ناصعة من العلاقات الطيبة بينهما قد طويت، وأتذكر آخر لقاء بيننا فى عشاء أقامه بمنزله احتفالًا بسفير المملكة الصديق معالى أسامة نقلى، وجلست ليلتها بجانب الشيخ وظل يتحدث إلىَّ فى ود هامسًا عن أوضاعنا العربية ولم أكن أعلم أنه سوف يكون اللقاء الأخير، وقد تميز الراحل بالبشاشة والابتسام الدائم وحسن الخلق، وقد كان على مائدته فى ذلك اليوم بعض الوزراء الحاليين وكبار المسؤولين وصديقه القريب أستاذ الإعلام المعروف الدكتور سامى عبدالعزيز، وكانت قرينة الشيخ صالح السيدة صفاء أبو السعود ترحب بزوجاتنا بود خالص ومحبة زائدة، وبالمناسبة فهى حفيدة عالم دينى كبير، فلقد كان الشيخ أبوالسعود من أهل العلم والدين فى محافظة المنوفية، وتولى أبناؤه أرفع المناصب؛ فكان حسن أبوالسعود هو وكيل وزارة الإرشاد عند إنشائها بعد ثورة يوليو عام 1952، وكان محمود أبوالسعود أستاذًا دوليًا للاقتصاد وصاحب انتماء سياسى فى عصره، وكان جلال أبو السعود ضابطًا مرموقًا يتقن العبرية ويهوى إصلاح السيارات! وقد عرفت معظم أفراد العائلة فى مناسبات مختلفة، وكان الدكتور محمود أبوالسعود يتردد علىَّ وأنا قنصل لمصر فى لندن مع بداية سبعينيات القرن الماضى. رحم الله الجميع.
بقيت نقطة هامة أود إبرازها وهى أن صالح كامل كان مسلمًا صادقًا لا تتلون عقيدته برداء سياسى أو جماعة معينة كما كان واحدًا من رواد الإعلام فى مصر والمنطقة العربية عندما أنشأ مبكرًا- منذ عدة عقود- فضائيات ART واستقدم لها الخبرات والكفاءات من كل مكان، كما كان معنيًا بالاقتصاد الإسلامى شغوفًا بدراسته؛ ولذلك كان هو رئيس غرفة التجارة وهو أيضًا رئيس مجلس الأعمال المصرى السعودى، ربما لم تجمعنى ظروف كثيرة بالشيخ الراحل فى السنوات الأخيرة ولكن حبال الود لم تنقطع أبدًا؛ فقد دعانى منذ عدة أعوام لحفل زفاف إحدى بناته ورأيته فرحًا مبتسمًا مرحبًا بضيوفه قبل أن يتمكن المرض منه وأن ترافقه الأدوية وزيارات الأطباء ويحتاج إلى معاونة مساعديه.
إن المصريين بطبيعتهم شعب لا ينسى من أحبهم ولا يجهل أيضًا من أساء إليهم، خصوصًا وأننا فى وقت نتلقى فيه من بعض أشقائنا العرب كلمات صادمة وافتراءات ظالمة وعبارات لا تليق بنا وبحضارتنا وتاريخنا؛ لذلك فإن نموذج صالح كامل يبدو كالضوء المبهر فى بحر الظلمات، رحمه الله؛ فقد أسمى البنك الذى أنشأه باسم يرتبط بشخصه فقد كان صالح كامل تعبيرًا عن البركة، والطيبة، والنقاء.. رحمه الله.
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1986499