ربطتنى بالرَّاحل د.سمير سرحان أستاذ الأدب الإنجليزى بجامعة القاهرة -الذى كان مُعارًا للهيئة العامَّة للكتاب رئيسًا لسنوات طويلة، ازدهر خلالها المعرض السَّنوى للكتاب وأصبح عُرسًا ثقافيًّا عربيًّا بشهادة الجميع- صداقةٌ طويلةٌ، وأسهمت شخصية د.سمير سرحان الرَّحبة وشبكة علاقاته الواسعة فى جَذْب العناصر المُثقفة عربيًّا ومصريًّا بل ودوليًّا أيضًا إلى «معرض القاهرة الدولى للكتاب» الذى ارتاده شعراء وأدباء وعلماء على امتداد سنوات وضع فيها د.سمير سرحان تقاليد معينة مازال بعضها قائمًا حتى الآن على الرغم من تغيُّر الظُّروف واختلاف الشُّخوص وتباين الأوضاع.
ولقد ربطتنى بالرَّاحل د. سمير سرحان علاقةٌ وثيقةٌ منذ أن كنتُ سكرتيرًا لرئيس الجمهورية للمعلومات، وفى السَّنوات الأولى لانتدابه وردت إلينا -للعرض على رئيس الجمهورية- مذكرةٌ من الرِّقابة الإدارية تمانع فى التَّجديد للدكتور سمير سرحان فى موقعه، فناقش الرَّئيس الأسبق مبارك –وكان يُقدِّر د. سمير سرحان– ما ورد فى المُذكرة ورأى التَّغاضى عمَّا فيها؛ نظرًا لانعدام الخطورة وغياب سوء النِّية فيما جرى توجيهه للدكتور سمير سرحان من اتِّهامات.
وقد طلب منى الرَّئيس الأسبق أن أطلب من د. سمير سرحان أن يمرَّ علىَّ فى مكتبى بمنشية البكرى، وأمرنى الرَّئيس بأن أذكر له ما جرى توجيهه لرئيس هيئة الكتاب من اتِّهامات، وقد فعلت، وردَّ د. سمير سرحان على كلِّ الادِّعاءات بقُوَّة، ولكنه لم يتمالك نفسه فى نهاية الحديث وانسالت دموعه؛ لأن المرء حين يعمل كثيرًا قد يخطئ أحيانًا أما أن يتم التَّركيز على النُّشطاء والصَّمت على البُلداء؛ فتلك مسألة يجب أن نخرج من إطارها.
وبقى أن نتذكر هنا أن اللقاءات الفكريَّة والحوارات السِّياسيَّة فى «معرض القاهرة الدولى للكتاب» إبَّان رئاسة د.سرحان للهيئة كانت نموذجًا يُحتذى به، فكانت مساحة الحريَّة واسعةً نسبيًّا، كما أن كلَّ الآراء والاتِّجاهات كانت مُمثلة، ولقد ظللتُ أكثر من عشرين عامًا أُلقى محاضرةً فى لقاء فكرى جامع بساحة المعرض كلَّ عام، وأتذكر أننى عندما تركت موقعى فى رئاسة الجمهورية عام 1992 ظننتُ أنه قد لا يُتاح لى ما كان مُتاحًا من قبل فى معرض الكتاب، ولكننى فوجئتُ فى أول مناسبة بعد تَرْكى موقعى أن د.سمير سرحان يتصل بى ويدعونى لإلقاء محاضرتى السَّنوية كالمُعتاد، وقال لى: «إن توجيهات السيدالرئيس هى أن تلقى نفس المعاملة، وأن يُتاح لك نفس المستوى من حرية الحديث كما كان الأمر فى الأعوام السابقة»، بل إننى أتذكر أنه قد جرى استدعائى فى إحدى السَّنوات من عملى كسفير لمصر فى فيينا لكى أُلقى محاضرتى السَّنوية فى معرض الكتاب الذى كان منبرًا حُرًّا بكلِّ المقاييس، وعندما هوى د.سمير سرحان ليسقط كالشُّهب والنَّيازك دون مقدمات طويلة أدركنا يومها أن صفحةً فى تاريخ النَّشاط الثَّقافى المصرى الحديث قد طُوِيت، وأن هيئة الكتاب عاشت أزهى عصورها فى سنوات د.سمير سرحان، وفى ظلِّ وجود وزير الثَّقافة المُتميز الفنان فاروق حسنى، ولا ينتقص ما أقوله بالطَّبع من الجهود المبذولة حاليًا من القائمين على هيئة الكتاب، والأنشطة المستمرة على مدار العام، والتى يُتاح لى أحيانًا أن أشهد بعضها سواء فى التَّوقيع على كتاب جديد، أو إجراء ندوة حوله، ولكنَّ الأمر الذى لا مِرَاء فيه هو أن اسم د.سمير سرحان قد اقترن بمعرض القاهرة الدولى للكتاب الذى بدأ مع أيام د. سهير القلماوى ود. الشنيطى ليظلَّ قائمًا حتى الآن، ويبقى د. سمير سرحان هو دُرَّة العِقْد، وليس يعنى ذلك أن الرَّجل لم يكن له أعداء أو حُسَّاد، فلقد عانى من ذلك كثيرًا، خصوصًا أنه كان عاطفى المشاعر ورقيق الحِسِّ، ويتأثر بمَنْ حوله ويفرط فى مجاملته للنَّاس، ولكنها سُنَّة الحياة وطبيعة الكون فى أن يختفي البعض وتظهر بدائلهم ولو بعد حين.
وبهذه المناسبة فإننى أدعو إلى ضرورة إحياء المكتبات المدرسية لأنها كانت مصدر تثقيفٍ ذاتىٍّ لعشرات الآلاف من الشَّباب، خصوصًا أن الكتاب الورقى لم يسقط عن عرشه كما يتوهم الكثيرون لأنه مثل أبى الهول سفير الزَّمان ونَجىِّ الأوان ورفيق العصر!!
تحية للرَّاحل د. سمير سرحان، وتحية للذى لن يرحل، وهو الكتاب الورقى!
مصطفى الفقي ;
مجلة 7 أيام العدد
تاريخ النشر: 14 نوفمبر 2017
رابط المقالة: https://www.7-ayam.com/%d8%ad%d9%8a%d9%86-%d8%a8%d9%83%d9%89-%d8%b3%d9%85%d9%8a%d8%b1-%d8%b3%d8%b1%d8%ad%d8%a7%d9%86/