أخيرًا ذهب ترامب وجاء بايدن بعد شكوك ومخاوف، بل وأعمال عنف لم يشهد لها الكونجرس مثيلًا ولا البيت الأبيض أيضًا فى العصر الحديث، وسوف يظل الرئيس السابق ترامب محل جدل لسنوات طويلة، لأنه فى النهاية كان رئيسًا منتخبًا جاء بإرادة الدستور الأمريكى، ولم يكن هناك من يتوقع أن تكون تصرفات الرجل غير المحسوبة ولا قراراته غير المدروسة يمكن أن تصدر عن رئيس أقوى دولة فى العالم، ولقد وصل إلى البيت الأبيض سيد جديد متقدم فى السن نسبيًا عن أقرانه السابقين عند وصولهم إلى مركز صنع القرار فى الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم أن الرجل يحمل خبرة طويلة فى السياسة الخارجية- بحكم عمله الطويل فى لجنتها بالكونجرس وعضويته منذ مطلع شبابه لتلك المؤسسة البرلمانية الأمريكية المؤثرة- إلا أن وصوله إلى أرفع منصب فى بلاده لم يبعد عنه شبح الشخصية الباهتة، فليس فى سجل الرجل أعمال ضخمة بالإيجاب أو السلب.
ولكن جزءًا كبيرًا من الترحيب به يصدر كنتيجة عكسية للقلق الذى أصاب الأمريكيين من التصرفات العشوائية لسلفه وارتباط العام الأخير بمحنة وباء كورونا وآثاره السلبية على العالم كله وخصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية، وإذا كان ترامب قد ذهب بخطاياه إلا أن الآثار السلبية لسنوات حكمه قد طغت على أى قرار سليم اتخذه بل وشوهت صورة الرئيس الأمريكى وصلاحياته وأصبحت تستوجب النظر أيضًا فى مسؤوليات حامل الحقيبة النووية وهو صاحب قرار الحرب برغم اعترافنا بوجود مؤسسات دستورية قوية لدى الولايات المتحدة، ولقد خسر ترامب فى السنة الأخيرة قدرًا كبيرًا من رصيده بسبب تقاعسه فى مواجهة الوباء واستخفافه به والتأخير الذى جرى لمواجهته، ولم يعد معظم الأمريكيين يرون أى نجاح لترامب، لا فى ترويض كوريا الشمالية وحاكمها الاستثنائى، ولا فى التصعيد الاقتصادى والتجارى مع الصين، ولا الاقتراب من موسكو فى مراحل معينة، بل أصبحت صورة الرئيس السابق وهو يرحل شوهاء ومضطربة مصحوبة باللعنات، وفى ظنى أن هذه الانتخابات لو جاءت قبل عام مضى لكانت فرصة ترامب قوية بالفوز لفترة ثانية فى البيت الأبيض ولكن توقيت الانتخابات كان حرجًا بالنسبة له، فضلًا عن اتهامات طالته بالعنصرية وتشجيع العنف وقد لا يكون بريئًا منها.
أما السيد الجديد فى البيت الأبيض فأمامه ملفات العلاقات الأمريكية الإيرانية والقضايا المتعلقة بالحريات وحقوق الإنسان كامتداد لإدارة الرئيس الأسبق أوباما، الذى كان بايدن نائبًا له، فضلًا عن العلاقات الأمريكية الأوروبية التى لا تبدو فى أفضل أحوالها، ناهيك عن علاقات واشنطن وبكين المضطربة والاتهامات المتبادلة بينهما فى العام الأخير حول ما كان يسميه الرئيس السابق ترامب بالوباء الصينى، فى إشارة إلى فيروس كورونا الذى انطلق من إحدى الولايات الصينية، وقد يحاول الرئيس الجديد تحسين العلاقات مع إيران ولو مرحليًا، وهو أمر ينظر إليه العرب فى الخليج بترقب وقلق وكأن الله قد كتب علينا أن ندفع الثمن مرات لكل سيد جديد على مقعد الرئاسة فى واشنطن، وبالمناسبة فإنه من الصعب التنبؤ بسياسة أى رئيس مع البدايات، فالكل يبدو وديعًا متسامحًا مع الشهور الأولى، فإذا استوى على العرش واستقامت له الأمور فإن حقيقته تظهر، كذلك فإن النهايات هى الفيصل الحقيقى لمعرفة قدر كل حاكم، فليس المهم من يضحك كثيرًا ولكن الأهم من يضحك أخيرًا، ولقد قارنت بين نهاية ترامب والسيدة الرائعة فى برلين ميركل- مستشارة ألمانيا- وكيف أطل الشعب الألمانى من النوافذ والشرفات يصفق لها فى وقت واحد لمدة سبع دقائق، احترامًا لدورها وتكريمًا لفترة حكمها التى اتسمت بالحصافة والاتزان والحكمة أمام المواقف الصعبة، وهكذا تختلف البدايات وتتفاوت النهايات، والحاكم الصالح هو الذى يعرف كيف يبدأ ومتى ينتهى، فإذا نظرنا إلى واشنطن وبرلين وغيرهما من عواصم الدنيا، فإننا نردد قول الحق تبارك وتعالى: «لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ».
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/2243054