شدتنى رواية د. مصطفى الفقى النابضة بالحياة والوعى التاريخى والسياسى والصدق المتناهى والثقافة الموسوعية.. الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة، تكشف «الرواية» مقومات «الحاكي» الذى أراد أن يقدم لقارئه ولتاريخ الدبلوماسية المصرية شهادة أمينة ومستفيضة عن عصور ما بعد ثورة 2591 وأحداث مصيرية بحكم مقربته من صناع القرار.. مذكراته مرتبطة «بمسرح الحياة» وأراد ألا تؤثر مشاعره الشخصية على الحقائق وهذه هى رسالة «الرجل النزيه».. التى نادى بها مفكرو فرنسا فى القرن السابع عشر.. فى الفصل الأول يطالعنا «الفقي» على سنوات النشأة من القرية إلى الجامعة مستشهدا بخليل جبران «فى قلب كل شتاء ربيع يختلج، وراء نقاب كل ليل فجر يبتسم» ليحكى لنا عن طفولته فى قرية «كوم النصر» بالبحيرة وتأثير والديه وتفجر ميوله الأدبية واعتزازه بدمنهور منجبة العبقريات.. ثم يحكى عن تجربته فى منظمة الشباب الاشتراكى مشيرا إلى انها كانت تعبر عن تنظيم سياسى واحد ويصف زيارته ل مؤسسة الأهرام فى مطلع الستينيات والمناخ آنذاك المزدحم بالتحديات الداخلية والخارجية. توقفت عند تجربته الخاصة مع «على صبرى» وحديث صبرى عن أعداء الثورة من القوى السياسية المضادة، والذى استشهد فيه بإحدى عائلات الصعيد الثرية وكيف أن الماضى قابع بداخلهم والحاجة إلى عملية فرز.. يؤكد الفقى فى فصل دبلوماسى بقرار جمهورى أن مصر كانت مليئة بمراكز القوى وينتقد تلك المرحلة وأنه كان مغرما بالحقبة الليبرالية لمصر من عام 9191 إلى 2591 كما كان مبهورا ببعض رموز أسرة محمد على.. ويشرح كيف وجد نفسه معينا بقرار من رئاسة الجمهورية ملحقا دبلوماسيا وكيف استقبل بامتعاض من زملائه.. ثم يسجل ذكريات لقائه بالسفيرة الرائعة هدى المراسى والسفير أحمد صدقى رحمهما الله ـ وكيف نجح فى تسمية شارع قريب من منزل أسرتها بالاسكندرية باسمها.. ـ هذا هو مصطفى الفقى الذى يتميز بهوس العطاء والاخلاص لأصدقائه! ـ يروى أيضا صدمة النكسة على جيله وتأثره بأسامة الباز الذى كان شخصية استثنائية بكل المقاييس.. عن أنور السادات يقول إنه يعده رجل الدولة الثانى بعد محمد على وإنه قاد البلاد بقرارين «الحرب» «والسلام» ويكشف الفقى عن تكوينه الليبرالى الحقيقى عندما يذكر التحولات الكبيرة بمصر والأخذ باقتصاديات السوق وإنهاء الحراسات ذلك الإجراء الذى تعده كاتبة المقال من أكبر المظالم التى فرضت على الرأسمالية الوطنية المصرية وحولت رموزها العظيمة إلى «فقراء جدد». يكتسب الفصل الثالث «الحياة فى لندن» أهمية خاصة لأن تلك العاصمة كانت المكون الأساسى فى تشكيل الدبلوماسى الأكاديمى الناجح ويسرد حادثة سقوط الليثى ناصف من مسكنه بلندن وأحداثا أخرى مريبة. ويحكى عن أطياف من الشخصيات المصرية العامة التى عرفها بعاصمة الضباب وعلى رأسهم السيدة جيهان السادات ويثنى على ذكائها الاجتماعى وأدبها الجم وتواضعها.. ويصف نفسه بأنه «ناصرى» العاطفة، «ساداتى» العقل وأنه كرس حياته «للاصلاح السياسى». فى الفصل الرابع يستشهد الفقى بكلمات أرسطو «جذوة التعليم مرة، ولكن الثمار حلوة» ويسرد تجربته للتدريس ب الجامعة الأمريكية ويتوقف عند علاقته بأستاذ الاقتصاد العظيم د. جلال أمين.. فى الفصل الخامس يسرد تجربته الثرية بالهند على المستوى المهنى والإنسانى والأسرى والتى فتحت له آفاقا هائلة فى الفلسفة والفكر والحياة.. ويعترف بأن خدمته فى الهند بعد لندن كانت استكمالا حقيقيا لمدرسة دبلوماسية مميزة.
كما تناول احداث غزو العراق الكويت ، وأتذكر أنى فى هذا اليوم اتصلت به لأشكو من الأسلوب الردىء الذى يعكر صفو بلاط صاحبة الجلالة.. فأجاب «أسرعى.. اختصرى.. العراق غزت الكويت» .. فكانت دائما علاقاته متميزة مع الصحفيين والإعلاميين والمحررين الدبلوماسيين بالذات..ويخصهم بخبطات صحفية ومعلومات لاترتبط به وإنما لمصلحة الدبلوماسية المصرية.
http://gate.ahram.org.eg/News/2568155.aspx