عاش الدكتور مصطفى الفقى على يقين فى أن المواقع التى شغلها لا تستوعب طاقته كلها، وعاش يرى أنه قادر على أن يعطى أكثر لو أنه شغل مواقع أربعة يسميها فى مذكراته التى صدرت عن الدار المصرية اللبنانية تحت هذا العنوان: الرواية.. رحلة الزمان والمكان!.. ولكن حال الدولة معه فى مختلف مراحله، كان يشبه حالها مع العقاد فى زمانه.. فلقد كان العقاد يقول إن الدولة إذا أرادت محاربة الشيوعية نشرت مؤلفاته، وإذا رشحت أحداً لجائزة نوبل رشحت طه حسين!
لقد تمنى الدكتور الفقى أن يصبح سفيراً فى بريطانيا التى كانت أول محطة فى مسيرته الدبلوماسية، ولكن الدولة رشحته سفيراً فى ألمانيا مرة، وفى السودان مرةً أخرى، ثم أرسلته إلى النمسا، حيث كاد يفقد حياته مع زوجته السيدة نجوى متولى وإحدى ابنتيه.. لولا معجزة حقيقية من السماء!
وتمنى الرجل لو أصبح وزيراً للخارجية، ولكنه ما كاد يصل إلى موقع مساعد الوزير، حتى وجد نفسه منقولاً إلى البرلمان، حيث كان عليه أن يزور إسرائيل على غير رغبته، فلما رفض الزيارة إلا وفق ضوابط معينة حددها غضبوا عليه وأخرجوه من الحزب الوطنى!
وتمنى لو أنه صار أميناً عاماً للجامعة العربية، ولكنه وصل إلى موقع المندوب الدائم لنا فيها، وذات يوم فاتح مبارك فى رغبته فى الوصول إلى مقعد الأمين العام، ولكن الرئيس السابق تحفظ وطلب منه ألا يفسد ترتيبات الأمور فى ذهنه، ثم نصحه بالذهاب إلى مجلس الشعب عضواً ومن بعدها على رأس لجنة!.. وفيما بعد ٢٥ يناير جرى ترشيح اسمه رسمياً لموقع الأمين العام، ولكن قطر وقفت فى طريقه ومعها السودان، وفى اللحظة الأخيرة جاء الدكتور نبيل العربى ليملأ الموقع!
وتمنى لو يصبح عضواً فى مجمع اللغة العربية، ولكن العضوية استعصت عليه بفارق صوتين اثنين، لو حصل عليهما لكان عضواً كامل العضوية.. وكان السبب أن أهل دار العلوم يسيطرون على المجمع، مع أن عربية الدكتور الفقى سليمة، وشيقة، وقوية، متحدثاً كان أو كاتباً!
أفلتت منه المواقع الأربعة فى لندن، وفى الخارجية، وفى الجامعة العربية، وفى مجمع اللغة، ولو نالها ما زادته شيئاً، لأنه صنع اسمه الكبير بدونها، ولأنه مصطفى الفقى الذى نعرفه بها وبغيرها!
https://www.almasryalyoum.com/news/details/2256752