■ حياة العالم الدكتور مصطفى الفقى حافلة بالأحداث، فقد نجح فى أن يجمع بين الحياة الأكاديمية والدبلوماسية، إلى أن صار جزءًا من التاريخ. ومن حسن حظى أننى اكتشفت من بين محاسنه أنه يعتز بشخصيته حتى ولو كان قريبًا من الحاكم، قرأت له رسالة أرسلها وهو دبلوماسى فى الهند فى عام ١٩٨٤، وكانت المسافة بينه وبين الوظيفة التى كان مرشحًا لها للعمل كسكرتير خاص للمعلومات للرئيس خطوات، ولم يتردد أن يقول رأيه بصراحة للدكتور أسامة الباز، انتقد فيها شخص مبارك بسبب احتفاظه برئاسة الحزب الوطنى.. وطالبه بالتخلى عن رئاسة الحزب، لأن رئيس الدولة هو الحكم بين الأحزاب ويجب ألا يكون طرفًا فى الصراعات، اعترض على طريقة تعيين رؤساء الجامعات، فقد يكون أحدهم متخصصًا فى الدروس الخصوصية للطلبة، ثم انتقد الامتيازات التى تمنح لأبناء أعضاء هيئة التدريس فى القبول بالجامعات.
■ من حسن حظ الدكتور الفقى أن الرسالة اختفت بين أوراق الحقيبة الدبلوماسية، ويومها التقط الفقى أنفاسه.. لأن مبارك لا يحب من ينتقده.
■ مبارك «رحمه الله» فى إحدى جلساته قال: مصطفى الفقى.. ليس له ولاء لنا، إنه يلعب «مراجيح الهواء» بيننا وبين المعارضة.. وهنا يقول الفقى: «لقد كانت المعارضة تحسبنى على النظام، وكان النظام يحسبنى على المعارضة، ولم أكن فى الواقع محسوبًا لا على هذا ولا ذاك، بل كنت ومازلت محسوبًا على مصر وحدها».
■ ويحكى الدكتور الفقى عن واقعة للرئيس مبارك، فقد اتصل به وقال له: يا مصطفى أنا شفت لك حوار مع عمرو أديب كان ممتازا، لماذا لا تتكلم فى التليفزيون المصرى؟!
■ رد الدكتور الفقى قائلا: «سيادتك أنا كنت ممنوع من الظهور فى التليفزيون المصرى!».
■ الرئيس: لماذا؟
■ الفقى: الذى يغضب عليه السلطان، كل الدولة تغضب عليه.
■ فرد مبارك: بطل فلسفة.
■ ويقول الدكتور الفقى فى كتابه «الرواية.. رحلة الزمان والمكان»: من الحقائق المعروفة فى حكم مبارك أنه تسلم الدولة وتعداد سكانها أربعون مليون نسمة، وسلمها وهى ثمانون مليون نسمةـ فكانت الزيادة السكانية إحدى المشكلات الكبرى التى واجهت نظام مبارك، خاصة أنها اقترنت بغياب التنمية والعدالة الاجتماعية وتراجع مؤشرات التعليم والصحة وتفشى العشوائيات ولا توجد فرص تنمية بشرية«.
■ وهنا يقول الفقى: »أنا لم أكن أعارض مبارك وجهًا لوجه، وإنما كانت معارضة متوارية بقدر الإمكان لأننى أخشى غضبة السلطان».
■ الكتاب مثير جدا ورائع، فيه إشارات مرور حمراء، فيه إنصاف للتاريخ وللرئيس الراحل وكيف كانت له مواقف إنسانية فعلا مع خصومه، يكفى أنه أمر بتعيين ابنة الأديب رجائى النقاش كمدرسة فى الجامعة، رغم الاتجاهات السياسية لوالدها، وكيف كان له موقف إنسانى مع حفيدة حسن البنا وغيرها وغيرها!.. كتاب ينصف الشباب الذين قاموا بثورة ٢٥ يناير، من وجهة نظر الدكتور الفقى أن ما حدث فى يناير ٢٠١١ لم يكن وليد المصادفة، لكنه نتاج طبيعى لتراكمات طويلة وأحداث بدت لى ولغيرى ولكل منصف، حيث اتجه النظام إلى نهايته.
■ عن نفسى، لا يكفينى أن أقرأه مرة واحدة.. تاريخ مصطفى الفقى فى شبابه، وكيف كان سابقا لعصره.. الرئيس جمال عبدالناصر أصدر له قرارا جمهوريا ليعمل ملحقا دبلوماسيا بالخارجية، وكانت أول محطة دبلوماسية له هى لندن، ومنها حصل على الدكتوراه.. حكايات لا تنتهى.. فعلًا، الفقى أيقونة وطنية وجزء من تاريخ مصر.
https://www.almasryalyoum.com/news/details/2296176