إن الذى يتابع مجريات الأحداث فى الأيام الأخيرة لابد أن يشعر بالقلق وتتملكه حالة من الترقب لما هو قادم إذ إن هناك أمورًا لم تكن متوقعة قد جرت ولم يعد بالإمكان إعمال الحدس السياسى والتنبؤ بما هو قادم أو ما يمكن أن يحدث لأن الأوضاع القلقة تحرم أدق المحللين السياسيين من تقديم التوقعات السليمة أو التنبؤات الصائبة إذ إن ما جرى فى منطقة الخليج خلال الشهور الأخيرة يبدو أمرًا غير مسبوق بدءًا من الشقاق الذى أصاب مجلس التعاون الخليجى مرورًا بالتطورات الكبيرة فى المملكة العربية السعودية وصولًا إلى محاولات العبث الإيرانى فى المنطقة فضلًا عن شطحات (أردوغان) وكيدية (قطر) ودخول موضوع سد النهضة فى منعطف يختلف عما عرفناه فى الأعوام القليلة الماضية إذ يبدو أن مرحلة التدليس والاستغراق فى العبارات الودية والتصريحات المسطحة قد انتهى وقتها وأصبحنا أمام وضع جديد يقودنا إلى مرحلة مختلفة فى مواجهة ذلك التحدى الكبير الذى تواجهه المنطقة بأسرها، إننا نرى الغيمات الداكنة تتحرك نحو هذه المنطقة من العالم بصورة توحى بأن الأحداث الجسام لم تأت بعد وأن علينا أن نتهيأ للسيناريو الأسوأ، فالأجواء مشحونة والعواصم متوترة والثقة مفقودة وما لم يكن ممكنًا من قبل أصبح حقيقة فى الواقع، كما أن كثيرًا من المسلمات قد سقطت وأضحى الشرق الأوسط - بحق من غرب آسيا إلى شمال إفريقيا - فوق فوهة بركان فى وقت تغيرت فيه السياسة الأمريكية وأضحى الغرب مشاهدًا سلبيًا لما يدور وانصرفت الجهود عن محاربة الإرهاب إلى حرب من نوع مختلف تختلط فيها الأوراق ولا يكاد المرء يدرك كيف تمضى بنا تلك السياسات المنفردة والمواقف الحدية، ولعل تعليقنا ينصرف إلى النقاط التالية:
أولًا: إن (الزلزال السعودي) قد يكون طريقًا إلى الحداثة ومواكبة روح العصر وإن كانت الرؤية لم تتضح بعد كما أن قراءة ما حدث يعوزها الكثير من المعلومات غير المتاحة فضلًا عن أن إعادة ترتيب أوضاع البيت السعودى من الداخل سوف تؤثر فى الجزيرة والخليج والمنطقة بأسرها فى وقت تتصاعد فيه هجمات (الحوثيين) المدعومين من إيران مع تراجع ملحوظ للدور الخليجى عمومًا والسعودى خصوصًا فى المسألة السورية.
ثانيًا: إننى من المؤمنين بأن (الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وأزعم أن الحديث عن (خير أمة أخرجت للناس) لا ينطبق على أحوالنا الراهنة فقد تقطعت أوصال الأمة وتمزقت أواصر العروبة وأصبحت دولة قطر ـ على سبيل المثال - تزهو بتصرفات كيدية ضد الشعب المصرى من خلال دعم الحكومة الإثيوبية فى مشروع سد النهضة حتى ولو كان دعمًا سياسيًا وإعلاميًا إلا أنه يعنى أن برقع الحياء قد سقط, وأن ورقة التوت قد اختفت إلى غير رجعة وأنا شخصيًا لا أرى تفسيرًا لما يجرى غير قصور النظرة وغياب الرؤية وانعدام القدرة على قراءة الأحداث قراءة صحيحة مع وجود أجواء ضبابية تغلف الفضاء الذى يحيط بنا وتسمح بأن يرانا العالم كما لا نرى أنفسنا حتى إن الرئيس الفرنسى قد أصبح وسيطًا بين أحداث السعودية والوضع فى لبنان، وبين سعد الحريرى ودولته المقبلة على اضطرابات محتملة يلعب فيها حزب الله دورًا رئيسًا لأن ذلك البلد الجميل الصغير قد كان دائمًا مسرحًا لتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية المختلفة على مدى العقود الأخيرة.
ثالثًا: إن الهيمنة الإيرانية يجب النظر إليها من منظور استراتيجى وقومى وليس من منظور إعلامى أو ديني، فالدولة الفارسية قد بسطت هيمنتها على العراق وأصبحت فاعلًا أساسيًا فى سوريا ورقمًا صعبًا فى المعادلة اللبنانية ودورًا خبيثًا فى اليمن إلى جانب أصابع فى معظم دول الخليج الذى تنكر طهران عروبته وتتمسك بفارسيته، ويكفى أن نقول هنا إن النفوذ الإيرانى قد توسع فى العقود الثلاثة الأخيرة أكثر مما توسع فى ثلاثمائة عام قبلها كما أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل قد نجحتا فى تصوير إيران كعدو جديد للعرب بديلًا عن الدولة العبرية التى ترقب الموقف عن كثب وتحصد نتائج ما يجرى وهى تدرك أنها تتحصن يومًا بعد يوم فى ظل سياسة أمريكية بل وغربية عمومًا.
رابعًا: دعنا نتلمس الحقيقة فى (واشنطن) حيث هناك إدارة أمريكية من نوع خاص لا تخلو سياستها من ارتباك ولا تبرأ من شطحات وهو أمر يقلق العالم بأسره ولا يتوقف تأثيره على الشعب الأمريكى وحده خصوصًا أن السياسة الأمريكية تؤثر إلى حد كبير فى سياسات الدول الأخرى لا فى الغرب فقط، ولكن أيضًا فى مختلف المناطق بدءًا من كوريا الشمالية وصولًا إلى غرب القارة الإفريقية، ولا شك فى أن النيات غير طيبة والأطماع متأصلة والنفوس مشحونة بالرغبة فى الحصول على ثروات الغير والاستئثار بمقدرات الشعوب المختلفة خصوصًا تلك المغلوبة على أمرها، المقهورة فى أرضها، المعطلة إرادتها.
أخيرًا: إن مصر تقف أمام ما يجرى فى صمود عبقرى رغم كل أسباب المعاناة ومظاهر التردى لأنها تعتمد على إدارة قديمة لدولة عميقة وجيش نظامى شريف تصد به موجات الإرهاب الذى يستهدفها كما لم يحدث لها من قبل عبر تاريخها الطويل.
هذه نظرة استكشافية لمن يتطلع إلى السحب المحملة بالأمطار الغزيرة لعلها تغسل الضمائر وتجلى القلوب وتفتح العقول قبل فوات الأوان!
د. مصطفي الفقي;
جريدة الأهرام العدد 47846
تاريخ النشر: 5 ديسمبر 2017
رابط المقالة: http://www.ahram.org.eg/NewsQ/626190.aspx