لم أشعر بتفاؤل تجاه مستقبل الوطن مثل ذلك الشعور الذى انتابنى فى مؤتمر الشباب الأخير بجامعة القاهرة عندما استمعت بإمعان إلى الشرح المستفيض للدكتور طارق شوقى عن التحول الجذرى فى التعليم قبل الجامعى بصورة تدعو إلى الارتياح والرضا بل والانبهار خصوصًا أنه مدعوم دعمًا مباشرًا من رئيس الدولة الذى يبدو بوضوح أنه يبارك تلك الفلسفة التعليمية الجديدة التى تقوم على التغيير الجذرى فى نظم الامتحانات ونوعيتها وطبيعة أسئلتها بحيث يكون التقدير للفهم الحقيقى للموضوعات وليس التلقين الكمى للمعلومات، ولقد أدركت من حديث الوزير أننا نقف على أعتاب تطور إيجابى هائل ونطرق أبواب المستقبل بكل ثقة وثبات خصوصًا أن المقررات الدراسية سوف تتغير وسوف تتم عملية ذكية لتجميع المعارف والعلوم على نحو يقترب كثيرًا من تأكيد نظرية وحدة المعرفة التى تشير إلى التزاوج بين الرؤى والأفكار وتمزج بين التخصصات المختلفة على نحو يؤكد العلاقة التبادلية بين المعارف المتعددة والعلوم المتخصصة، ولقد أسعدنى مثلما أسعد كثيرا من المصريين أن رئيس الدولة متحمس لما قاله وزير التربية والتعليم خصوصًا أن ذلك جاء نتيجة دراسات مطولة وأبحاث مستفيضة مع الاستعانة بخبرات النظم التعليمية الأخرى والتركيز على العنصر البشرى المصرى حتى تمكن بعض الأساتذة المتخصصين من وضع الكتب الجديدة التى تعتبر دليلًا أمام أصحاب القرار ومؤشرًا للتحول الذى جرى فى نظام التعليم المصري، إن البعض يظن أن القضية هى أننا سوف نواجه تعليمًا إلكترونيًا أو هى محاولة لتأكيد سيطرة الأساليب الغربية الحديثة فى التعليم على حساب البعد القومى للتعليم المصرى وفى هذه الناحية يجب أن أسجل تقديرى لحرص وزير التربية والتعليم على اللغة العربية مع تأكيد أهميتها فى تنشئة الأجيال الجديدة فى بلادنا، ولقد فوجئت أن الرئيس قد قرر أن تتحمل الدولة شراء الأجهزة المطلوبة لتنفيذ التجربة التعليمية غير المسبوقة حيث لا يكون هناك عبء جديد على الأسرة المصرية، ولحسن حظى فإننى كنت أمام هذا الموقف برمته خارجًا مباشرة من قراءات مستفيضة حول عصرنة التعليم الوطنى والمشكلات المتعلقة بذلك فى معظم دول العالم، فالتعليم هو نعمة الحاضر والمستقبل وقد يكون نقمة الماضى والحاضر أيضًا ذلك أننا نستسلم لنظم تقليدية ولكن عفى عليها الزمن وتجاوزتها الأحداث، ولعلى أسجل هنا الملاحظات التالية:
أولًا: إن حديث وزير التربية والتعليم وقبله وزير التعليم العالى ووزير الشباب والرياضة أمام مشهد كبير يضم أكثر من ثلاثة آلاف أكاديمى ومتخصص شاب إنما هو تأكيد لقيمة التعليم المصرى صاحب التاريخ الطويل والذى يمثل جسر الحربة للقوى الناعمة المصرية التى أثرت فى العالم العربى والقارة الإفريقية بل والدول الإسلامية أيضًا بما قدمت من رسائل تنويرية وجهود تعليمية صنعت فى النهاية الريادة المصرية ولا يمكن لمصر والأمر هكذا أن تتخلف عن الركب بل لا بد لها أن تستعيد أمجاد دورها وأن تتمكن من صياغة المستقبل وفقًا للأسس الحديثة والتعليم العصرى الذى يقوم على تدريب العقل ورصد الأولويات والمضى مع روح العصر بعلومه الحديثة وأساليبه الجديدة فذلك هو الرهان الحقيقى نحو المستقبل، ولقد أثبتت كل التجارب أن التعليم وحده هو قاطرة التنمية ودليل الاستنارة ومؤشر التقدم، ويجب أن نؤكد هنا أن النظام الجديد سوف ينهى حالة الفزع السنوى لدى الأسر المصرية وينهى أسطورة الثانوية العامة التى جعلت التعليم مجرد شهادة بلا مضمون فى أغلب الأوقات.
ثانيًا: إن دخول التعليم المصرى عصرًا جديدًا يقضى نسبيًا على توحش الدروس الخصوصية وطباعة الكتب الإضافية وسوف يكون له مردود للإقلال من سطوة المدرسة والانتقال إلى مرحلة التعلم بدلًا من التعليم خصوصًا أن رئيس البلاد قد قرر فى سماحة وحنو أن يدفع إلى الأمام بمجموعات من شباب الأجيال القادمة تعرف كيف تفكر وكيف تحاور وكيف تستخلص النتائج فى سهولة ويسر مع السعى نحو ظهور أجيال جديدة من الشباب المدرب فى خدمة التنمية المستدامة على اعتبار أن النظام الجديد سوف يحتوى التعليم الفنى أيضًا بطريقة تنقذ هذا النوع من التعليم من حالة الانهيار التى يعانيها حاليًا.
ثالثًا: إن التجربة المصرية الجديدة تمثل قدوة لدول عربية وإفريقية وإسلامية ترى فيما تفعله مصر مستقبلًا لها وريادة فى أساليبها للمضى نحو حياة أفضل وغد أكثر إشراقًا وتفاؤلًا، ولقد اكتشفت من حديث الوزير غير التقليدى أنه عاش لفترات طويلة فى حوار داخلى وخارجى مع الخبراء والمتخصصين من كل الاتجاهات والمستويات للوصول إلى القرار السليم فى هذه المحاولة الشجاعة لنقل التعليم المصرى من مرحلة (دانلوب) التى كانت تستهدف تخريج موظفين للدولة ومرحلة (جدول الضرب) بجمودها وركودها إلى مرحلة أخرى تعتمد على القدرة على التفكير والاعتماد على الذكاء وتشجيع الرؤية الرشيدة ولن يؤثر النظام الجديد على مبدأ تكافؤ الفرص بأى حال إذ إن عمل مكتب التنسيق سوف يظل قائمًا ويبقى ميزان العدالة فى الالتحاق بالتعليم الجامعى وفقًا للنتائج الجديدة حسب النظام الذى نسعى لتطبيقه إنقاذًا للعملية التعليمية برمتها بعد أن تهاوت إلى حد كبير.
لقد تابع المصريون - رئيسًا وشعبًا ذ ذلك الشرح الكافى والعرض الوافى لأفكار وزير التربية والتعليم د.طارق شوقى والتى تعد فتحًا حقيقيًا أمام مستقبل التعليم المصرى كما أنها تأكيد على أن الحشد الكبير من علمائنا وخبراء التربية لدينا حريصون على أن يكون لهذا الجهد الواعى ثماره الحقيقية التى يشعر بها كل صاحب رأى فنحن نريد جيلًا سويًا ينتقل من ذلك الأسلوب المتخلف الذى يعتمد على الحفظ إلى جيل يتفحص كل شيء ويؤمن بحقه فى إبداء الرأى مهما تكن الظروف والتحديات، فتحية لجامعة القاهرة قلعة أحمد لطفى السيد التاريخية وملتقى الزعماء والحكماء والرؤساء الذين يتصورون أن أحفاد الفراعنة يعلمون دائمًا مبادئ التنوير والتطوير .. إننا نسعى إلى التنوير سياسيًا (الديمقراطية) والتطوير اجتماعيًا (التنمية المستدامة) فتلك هى مفاتيح العصر ومعطيات القرن الحادى والعشرين.
د. مصطفي الفقي;
جريدة الاهرام العدد 48091
تاريخ النشر: 7 اغسطس 2018
رابط المقال: http://www.ahram.org.eg/NewsQ/665164.aspx