تستهوينى تلك الشخصيات التى تجمع من كل تخصص نصيبًا، حيث تبدو غالبًا موسوعية الثقافة، قادرة على الأداء المتميز فى أغلب الظروف.. وأظن أن الكاتب والمفكر المصرى محمد سلماوى يمثل ذلك النمط من مثقفى مصر فى العقود الثلاثة الأخيرة، فهو أديب روائى وكاتب صحفى دخل إلى الحياة العامة من بوابة صاحبة الجلالة عندما التقطه محمد حسنين هيكل وعينه فى «الأهرام» مع نهاية ستينيات القرن الماضى، فقد أعجب الأستاذ بذلك النمط المختلف من الشباب، خصوصًا أنه يجمع بين الثقافتين العربية والغربية فى آنٍ واحد.
وظل محمد سلماوى يتلمس خطاه ويضرب فى الأرض بكل اتجاه ويشتغل على نفسه - كما يقولون - حتى أصبح نموذجًا فريدًا فى ميدانه، ثم كانت صلاته الوثيقة بالكبار، مثل توفيق الحكيم ونجيب محفوظ والأستاذ هيكل، وكان لكلٍ منهم زاوية اهتمام خاصة لديه جعلته يقترب من تلك الشخصيات الكبيرة وغيرهم ممن أثروا الحياة الثقافية فى القرن الماضى وبعض سنوات القرن الحالى.. وقد اقترنت شقيقة الأستاذ سلماوى بالابن الوحيد لأب المسرح العربى المصرى توفيق الحكيم.
وأعنى به «إسماعيل»، الذى رحل مبكرًا وشيع أبوه جنازته من مسجد عمر مكرم وكنت يومها أرقب الموكب الحزين من نافذة مكتب الدبلوماسى الراحل أسامة الباز الذى كنت أعمل مساعدًا له حينذاك، ولقد لفت سلماوى نظر توفيق الحكيم، فخرج من دائرة القرابة إلى مربع الصداقة، وجمعته بذلك الأديب الفيلسوف الراحل صلةٌ امتدت حتى رحيل الحكيم عن عالمنا، أما نجيب محفوظ فقد اصطفاه بعبقريته الاجتماعية ليرى فيه نموذجًا متفردًا لجيل جديد، وعندما حصل محفوظ على جائزة نوبل عام 1988، اختار الأديب الكبير الشاب محمد سلماوى لكى يتسلم الجائزة نيابة عنه ويلقى كلمته فى تلك المناسبة التى وضعت الأدب العربى الحديث على القائمة القصيرة للآداب العالمية المعاصرة.
وأتذكر وقتها أن سفيرنا فى العاصمة السويدية كان أيضًا زوجًا لإحدى شقيقات سلماوى، وبذلك اجتمعت للكاتب الشاب ميزاته الفكرية وصلاته العائلية، وقد اختاره محفوظ جليسًا وصديقًا، حتى إن سلماوى كان هو الذى يكتب أعمدة ومقالات محفوظ نقلًا عنه فى سنوات عمره الأخيرة، خصوصًا بعد محاولة الاغتيال المروعة التى تعرّض لها أديب نوبل، وقد ظلت علاقة سلماوى بهيكل دائمة التواصل، يرى فيه الأستاذ كاتبًا نجيبًا وصحفيًا متألقًا، ويرى الكاتب الشاب فى عميد الأهرام مثلًا يحتذى ونموذجًا ذكيًا لواحد ممن يقفون على قمة الصحافة العربية والدولية المعاصرة، وقد انخرط سلماوى بجهدٍ كبير فى توحيد صفوف الكتاب العرب، وانتقل من رئاسة اتحاد الكتاب المصرى إلى الاتحاد العربى، حتى اشتركنا - هو وأنا - فى وقتٍ واحد تقريبًا فى الدعوة إلى عقد قمة ثقافية عربية أسوة بالقمة الاقتصادية، لأننا ندرك أن الثقافة عامل مهم فى تحديد مسار الشعوب وسلوك الأمم.
ولقد تعددت روايات سلماوى، حتى إنه فى إحداها تنبأ بأحداث 25 يناير 2011 وكأنما كان يرى المستقبل بعينى زرقاء اليمامة، وقد ترأس - فى ظاهرة نادرة - رئاسة تحرير إصدارين عن مؤسسة الأهرام، أحدهما يكتب بالفرنسية والثانى يصدر بالإنجليزية، إذ إنه حين تتعدد مواهب وقدرات الشخص، تتنوع بالتالى المهام والتكليفات التى يتحملها فى حياته.. وأضيف إلى ذلك أن سلماوى قد عرف مرارة الاعتقال فى أحداث يناير 1977.
وزامل بالسجن وقتها الكاتب المؤرخ أحمد الجمال فى سنوات الشباب والحماس والألق الثورى، وعندما أصدر الدبلوماسى المخضرم عمرو موسى مذكراته فى كتاب صدر منه جزءان تحت عنوان (كِتَابيَه) تيمنًا بالقرآن الكريم،فإذا بسلماوى يفاجئنا بعنوان من القرآن الكريم أيضًا على نحو لا يقل روعة وجلالًا عندما يطلق عليه عنوان (العصف والريحان) مستقيًا النص من سورة الرحمن.
.. تحية للكاتب الكبير والصديق العزيز الذى توّج تاريخه بالحصول على أرفع جوائز الدولة المصرية عندما حصد جائزة النيل فى يونيو 2021، وليستمر عطاؤه ويتواصل جهده فى خدمة الوطن وفى حب المحروسة دائمًا.
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/2421904