يوم الخميس الماضى كان عيد الميلاد الثامن والتسعين للأستاذ محمد حسنين هيكل. المولود فى مثل هذا اليوم سنة 1923، ورحل فى 17 فبراير 2016، وبهذه المناسبة دعتنى أسرة هيكل لحضور الاحتفال بتسليم جائزة مؤسسته للصحافة العربية. وهى تُعد أهم جائزة لنسبتها إلى الأستاذ. كما أن قيمتها المالية كبيرة. فاز بالجائزة هذا العام نزيهة سعيد، صحفية بحرينية. ومحمد أبو الغيط، صحفى مصرى. وقيمة الجائزة 250 ألف جنيه. الأولى حصلت على الجائزة على تفردها فى تغطية قضايا المرأة فى الخليج العربى. والثانى على تحقيقاته المتميزة عن سوريا. علما بأن هذه الجائزة المرموقة حصل عليها 11 فائزا وفائزة من أصحاب المواهب المتميزة منذ انطلاقها.
فى هذا الاحتفال حضر مجلس أمناء جائزة هيكل، والدكتور مصطفى الفقى، مدير مكتبة الإسكندرية. وأسرة هيكل. تتقدمهم شريكة عمره ورفيقة دربه هدايت تيمور، التى نقول عنها هدايت هيكل. والدكتور أحمد محمد حسنين هيكل، رجل الأعمال المرموق. وشقيقه الدكتور حسن محمد حسنين هيكل. وأدارت الاحتفال هدايت على هيكل، حفيدة الأستاذ. ابنة ابنه الدكتور على. فى كلمتها قالت السيدة هدايت: نحن نشعر وأنتم معنا بأن أفكار وتطلعات ومعارك الأستاذ هيكل لن تُغادر هذه الجدران وهذا الوطن. وخلال السنوات الماضية قامت المؤسسة بتوثيق وحماية جميع الكتب والأوراق والوثائق بهدف إتاحتها للقراء والباحثين. وأود أن أعلن أن جناح ومكتبة الأستاذ هيكل بمكتبة الإسكندرية قد اكتمل تنفيذها وفى انتظار تحديد المكتبة لموعد الافتتاح. وأكدت أيضاً أنه يجرى العمل على توثيق بعض المخطوطات النادرة المكتوبة بخط يد الأستاذ هيكل. لقد كان رأى مجلس أمناء المؤسسة أن هذه الكتب والأوراق والوثائق ليست ملكا للعائلة. ولكنها ملك لوطن طالما افتخر الأستاذ هيكل بالانتماء إليه.
الدكتور مصطفى الفقى، مدير عام مكتبة الإسكندرية. ارتجل كلمة جميلة عن أن إنتاج هيكل مازال قادرا على الإجابة عن أسئلة الحاضر مثل رأيه المبكر فى قضية نهر النيل وسد النهضة الإثيوبى. وكأنه كان يقرأ المستقبل. وقال إنه سعيد بأن أسرة هيكل اختصت مكتبة الإسكندرية بأوراق وكتابات وكُتب الأستاذ هيكل، وتمنى أن يتم هذا الافتتاح قريبا جدا.
الأسرة كلفت المهندس إبراهيم المعلم، صاحب دار الشروق - الدار التى تنشر مؤلفات الأستاذ هيكل. وكان مقربا منه فى حياته- أن يذهب لمكتبة الإسكندرية ويلقى نظرة أخيرة على الجناح قبل أن يتم افتتاحه رسميا. وإن كان موعد الافتتاح لم يتحدد بعد.
عرفت هيكل فى حياته. ورأيته كثيرا. بل ولى كتاب كبير عبارة عن حوار طويل أجريته معه. نُشِر فى حياته تحت عنوان: محمد حسنين هيكل يتذكر: عبد الناصر والمثقفون والثقافة. وأشهد أن أقوى ما فى الرجل - علاوة على جديته والتزامه واهتمامه بعمله - كانت ذاكرته التى ظلت حتى أواخر عمره حية ونابضة وقوية.
صدرت عن الأستاذ هيكل فى حياته كتب كثيرة. لعل أهمها كتاب: علامات على طريق طويل.. هيكل لمحات إنسانية. للصديق العزيز خالد عبد الهادى، الذى عرف هيكل فى حياته وارتبط معه بصداقة متينة وقوية. وكتاب خالد عبد الهادى يقف فى الصفوف الأولى من الكتب التى صدرت عن الأستاذ هيكل. علاوة على العلاقة الشخصية بينهما. وقد استضافه هيكل فى برقاش التى لم يكن يذهب إليها إلا الأصدقاء المقربون منه بشكل خاص. وهى المزرعة التى حاولت فلول الجماعة الإرهابية تدميرها إبان أحداث ثورة يناير 2011. واعتدوا عليها عدوانا سافرا وأحرقوا كثيرا مما كان فيها من كتب ووثائق. فضلا عن أنها كانت واحة عمر الأستاذ. قريبة من القاهرة ولم يكن يستريح سوى هناك. وقد حاول ترميمها. واستكمل أبناؤه المخلصون ما بدأه من محاولة إعادة برقاش إلى ما كانت عليه. ولكن هيهات. فقد كان المعتدون القتلة يدمرون المكان بمنطق أداء المحترفين.
الاحتفال كان حاضرا فيه الأصدقاء المقربون من الأستاذ. وقد راعت العائلة أن تكون الدعوات للمصريين فقط. مراعاة للظرف العام ووباء كورونا. ولو أنهم وجهوا الدعوة لعشاق الأستاذ ومريديه من الوطن العربى والعالم لاكتظ المكان بكثيرين ممن جاءوا فقط للاحتفال بذكرى هيكل. ولهذا فإن مؤسسة هيكل تطبيقا لإرشادات التباعد الاجتماعى والحد من التجمعات الكبيرة فقد تم بث الاحتفالية عبر شبكة الإنترنت. مما سمح للآلاف وربما أكثر بالمشاركة بالفعاليات عن طريق هذه الوسيلة الجديدة.
مسابقة الأستاذ هيكل تمر بعامها الخامس الآن. ومن المؤكد أنها أسهمت فى إثراء العالم الصحفى وتشجيع شباب الصحفيين على مزيد من الإبداع. مما يعد إضافة للمنظومة الثقافية الصحفية التى تُشكل وعى المجتمع. والمؤسسة تحاول استكمال طريق التنوير الذى سلكه الأستاذ. وتُنفذ رؤيته. وتحقق أحلامه للمهنة التى أحبها وعشقها وقضى عمره فى رحابها. وعندما تم إنشاء مؤسسة هيكل للصحافة سنة 2007، كان هدفها المساهمة الفعَّالة فى تعزيز وتنمية آفاق وخبرات شباب العاملين بالمجال الصحفى على اختلاف منابره فى جميع أنحاء الوطن العربى. فى نفس الوقت تم فتح باب التقدم للجائزة للعام المقبل شريطة أن يكون المتقدم عربى الجنسية ولا يزيد عمره على 40 عاما. وأن يكون ملتحقاً بالعمل مع إحدى المؤسسات الصحفية العربية. وتهدف الجائزة إلى تزويد شباب الصحفيين من الوطن العربى بالوسائل اللازمة لتنمية مهاراتهم، وتشجيع البحث العلمى، ومواصلة تفوقهم المهنى، وتعزيز انتمائهم للعمل الصحفى. أى أنها جائزة، رغم تفوقها المالى مقارنة بجوائز أخرى كثيرة لها رسالة مهمة تهدف إلى النهوض بمهنة الصحافة التى قضى الأستاذ هيكل حياته جزءا منها. بل لم يكن يعتبرها مهنة بل أسلوب حياة.
جريدة الأهرام
https://gate.ahram.org.eg/daily/News/824534.aspx