واجه الناقد الأدبى الكبير والمفكر المصرى الشجاع صلاح فضل حلقات متتالية من الأحزان التى ترتبط بمأساة الفقدان، عندما انتزع القدر من حوله الزوجة، وبعدها الابن، ثم الابنة الغالية، بعد أن ضرب كل منهم بسهمٍ ناجح فى رحلة الحياة، وصلاح فضل- لمن لا يعرفه- إنسانٌ صلب وشخصية قوية طالما انتصرت دائمًا على ما تعرضت له من أحزان وما مر بها من خطوب.
وفى ظل ذلك كله يتواصل عطاؤه ولا يتوقف إنتاجه الأدبى وإسهامه النقدى، بل يظل متواصلًا مع الحياة، محاربًا جسورًا فى ميادين الحق والخير وحب الوطن، وقد مر بمحنةٍ صحيةٍ عاتية منذ أعوامٍ قليلة، ولكن الله كتب له الشفاء بعد معركة ضارية مع المرض، وفوق هذه الأحزان يتألم صلاح فضل أيضًا للمرض الطارئ الذى ألمَّ بصديقنا الغالى ابن العراق البار الدكتور قيس العزاوى، أمين عام مساعد جامعة الدول العربية للشؤون الثقافية، والمفكر العربى المرموق الذى أسس ورعى الصالون الثقافى العربى الذى أتشرف حاليًا برئاسته، وقد كان مرضه ضربة موجعة لنا جميعًا.
ولكننا واثقون أن الله سيمنُّ عليه بالشفاء القريب، تلك هى الظروف النفسية التى تحيط بصلاح فضل الذى تخرج فى كلية دار العلوم وحصل على الدكتوراه حتى أصبح قاسمًا مشتركًا فى كل المنتديات العربية والمحافل المعنية بالأدب العربى والفكر القومى، وقد عاش فى إسبانيا سنوات وطاف ببعض دول أمريكا اللاتينية، واتسع أفقه ليشمل الرؤية الوطنية إلى جانب النظرة العالمية من خلال الأدب والسياسة والفلسفة، ولمن لا يتذكر فهو الذى صاغ وثائق الأزهر الشريف بعد انتفاضة 25 يناير ليسجل فيها رؤية عصرية وطرحًا معتدلًا التقى عليه عدد من كبار المثقفين، شرفت بأن أكون أحدهم، تحت قيادة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، ولم يتوقف صلاح فضل عن خوض المعارك، ولعل أكبرها وأخطرها هى معركته داخل مجمع اللغة العربية فى محاولةٍ لإعادته إلى سابق عهده ورونق أيامه الخوالى التى قاده فيها رجالٌ عظام أمثال أحمد لطفى السيد وطه حسين.
ويتميز صلاح فضل بالدأب والصبر والتمسك بالرأى والثبات على المبدأ، لذلك فإننى- كصديق له- أشعر بما يعانيه وأشاطره بعضًا من أحزانه وأنا واثقٌ كل الثقة من أنه سوف ينتصر فى معاركه الباقية كما انتصر فى سابقاتها ليطل على أحبائه وتلاميذه بذات الإشراقة التى عرفناه بها وتعاملنا معه من خلالها، إننى لا أكتب عنه اليوم مواسيًا أو مشاركًا فى الإحساس الذى يعانى منه أديبنا الكبير وشيخ النقاد المعاصرين، فلقد تعودنا منه أن يصنع من المعاناة انتصارًا، وأن يحيل الألم فخرًا واعتزازًا، وأن ينظر إلى الأفق البعيد بعزمٍ أكيد وتفاؤل لا ينتهى، وأنا واثق من أن مريديه فى أنحاء الوطن العربى وخارجه يشاركوننى الرأى فى التمنى الصادق بأن يجتاز صلاح فضل محنته، وأن ينتصر على أحزانه، فما أكثر ما واجه فى حياته من تحديات فكرية وأكاديمية وعائلية وصحية، ولكنه كان دائمًا يكسب المعركة ويخرج منتصرًا رغم الآلام والجراح والحزن الدفين.
وها أنا أقول له أيها الصديق العزيز إن حياة البشر سلسلة من الابتلاءات لا نملك إزاءها إلا مزيدًا من الصبر على المكاره والصلابة أمام خبطات القدر وصفعات الأيام، وأنا واثق أنك سوف تقهر الحزن بمزيد من العمل وتنتصر فى هذه المعركة، خصوصًا أن فقدان الابنة النجيبة يمثل جرحًا خاصًا لابد أن يتجاوزه الأب مهما كان الألم، فلتعش مع أوراقك وسط كتبك وتواصل مقالاتك التى ننتظرها باللهفة والتوقير، ولتتذكر أن الله قد جعل من كل عسر يسرًا، وأن قوانين الحياة على ظهر هذا الكوكب لم تتغيّر منذ البداية، وسوف تظل كذلك إلى يوم البعث.. كان الله معك يا صاحب الفضل.
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/2426774