تلقيت دعوة كريمة من السياسى اللبنانى المعروف نجيب ميقاتى الذى شغل منصب رئيس وزراء بلاده أكثر من مرة وهو الرئيس الحالى فى حكومة إنقاذٍ تشكلت مؤخرًا فى ظل تردى مناحى الحياة المختلفة فى ذلك القطر العربى الشقيق، تلقيت منه الدعوة منذ سنوات قليلة لحضور ندوة تقيمها جمعية أكاديمية تابعة له.
وكان مدعوًا أيضًا الصديق الدكتور عمرو الشوبكى الأكاديمى والكاتب السياسى مع آخرين من دول عربية مختلفة، وكنت أعرف أن نجيب ميقاتى طرابلسى جغرافيًا، وسنى إسلاميًا، كما أن لديه ثروة كبيرة جاء معظمها من عمله فى قطاع الاتصالات والتقنية الحديثة فى عالم تكنولوجيا المعلومات، وقد سعدنا بضيافة ذلك السياسى اللبنانى لعدة أيام فى حفاوة بالغة واهتمام كبير رغم أننا - أنا وزميلى - لم يكن لنا وضعٌ وظيفى أو صفة رسمية، ولقد لفت نظرى طول قامته كرئيس للوزراء والتى لا يعادلها إلا رئيس وزراء مصر الأسبق د. أحمد نظيف، وقد شعرنا باعتدال وجهات نظره والتأثير الشعبى له فى بعض القطاعات لأسباب جهوية أو مذهبية.
وقد أكبرنا كثيرًا أنا وزميلى تواضعه الشديد عندما دعانا للغداء بمسكنه الخاص بالعاصمة اللبنانية، وكان عددنا لا يزيد عن أصابع اليد الواحدة، والمدهش أن السيدة قرينته كانت هى التى تشرف على ترتيب مائدة الطعام وتوفير سبل الراحة لضيوف زوجها القادمين من خارج البلاد، حتى إنها كانت تضع بعض أصناف الطعام بيدها فى تواضع شديد وسمو يقترب من العقلية الغربية فى هذا السياق، فلا خدم ولا حشم ولا شكليات ولكن مائدة عائلية تدل على الأصل الطيب والكرم المتأصل، وما أكثر ما قرأت عن نجيب ميقاتى بعد ذلك وعن ثرائه الفاحش وشركاته الناجحة.
لذلك كان طبيعيًا أن يتم استدعاؤه من جانب القوى الوطنية اللبنانية لكى يترأس حكومة البلاد بعد عامٍ كامل من الفراغ السياسى الذى شهده لبنان بعد انفجار ميناء بيروت منذ أكثر من عام، والذى أدى إلى خسائر كبيرة فى الأرواح والممتلكات حتى عاشت بيروت فى وضعٍ معلق ليس فيه رئيس وزراء مقبول أو معترف به، خصوصًا أن رئيس الجمهورية هناك يبدو طرفًا فى الصراع السياسى، وهو الذى كان يفترض فيه أن يكون مركزًا للتواصل باعتباره الأب الشرعى للجميع، ولكن أوضاع لبنان تظل تلح على ضمائرنا لكى نذكّر الجميع بأن هذا البلد الجميل قد تحمل الكثير على كافة المستويات.
وظل صامدًا يتحدى المخاطر ويطفو على السطح بعد كل انتكاسة وكأنها جاءت لتقويته وليست نتيجة ضعفٍ لديه، والملاحظ هنا أن الوضع فى لبنان وظروفه التاريخية فى العقود الأخيرة قد أدى إلى تواجد حالة من القبول العام والرضا بما هو قائم، ويسعدنى كثيرًا أن أرى ديمقراطية عربية تعى أن مركز الثقل الحقيقى هو شعبها بالدرجة الأولى، وليس صحيحًا أن هناك منطوقا قوميا يستحوذ على قمم الإدارة والوصول بها إلى ما يريد، فالولاء الوطنى والانتماء هو الطريق الأمثل لحياة أفضل ومجتمع أرقى، لذلك فإننى أظن أن الحكومة اللبنانية الجديدة ورئيسها الحالى يجب أن يكونوا بمثابة علاجٍ عاجل ونجدة سريعة لظروف ذلك البلد الذى يعانى من انخفاض قيمة عملته واختفاء الأسواق والسلع وتدهور الأحوال الصحية والتعليمية إلى جانب الانقسام السياسى الحاد والدور المعطل الذى تمارسه بعض القوى على غيرها فى الساحة اللبنانية.
وفى مقدمتها حزب الله، لقد حان الوقت لكى تنهض لبنان وتدفع بمجموعة جديدة من الساسة يبرأون من أخطاء الماضى وجرائمه حتى يمكن للمواطن اللبنانى العادى أن يمارس حياته بشكل طبيعى، وأن يدرك الجميع أن قيمة العمل السياسى فى الساحة العربية تبدو مرتبطة مع بعضها متشابهة فى ظروفها إلى حد كبير، لذلك فإننا نرحب بالسياسى اللبنانى المخضرم نجيب ميقاتى على مقعد رئاسة الحكومة فى بلاد شجرة الأرز حتى يتولى اللبنانيون حل المعضلة التى تعرضت لها بلادهم والخروج منها بما يحقق الأمن والاستقرار لأبناء ذلك البلد الذى تربطنا به أقوى الصلات وأوثق الروابط.
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/2437574