كلما أتيحت لى الفرصة لارتياد أحد النوادى التى تشترك فيها الأسر الميسورة نسبيًا تذكرت أولئك المحرومين من مثل هذه النوادى، خصوصًا الأطفال وصغار الشباب الذين لا يجدون غير الشوارع والأرصفة مكانًا للتريض أو لقاء الأصدقاء، وقد عكفت سنوات أتأمل هذه الظاهرة، وتذكرت معركة مركز شباب الجزيرة مع نادى الجزيرة منذ عدة سنوات وكيف أتاحت الدولة فى هذا المكان امتدادًا حقيقيا لنادى الجزيرة ولكن بتكاليف أقل عشرات المرات، إذ لا يخفى علينا أن الرسوم الأساسية لدخول أحد النوادى الكبرى يصل بعضها حاليًا إلى مليون جنيه مصرى، هذا إذا أتيحت فرصة الالتحاق بأى نادٍ ولم تكن الأبواب موصدة تمامًا بسبب تزايد الأعداد وعدم قدرة مساحات النوادى على استيعاب الأعداد الكبيرة من الأجيال الجديدة حتى أصبحت النوادى تعبيرًا طبقيًا وليست مجرد مكان للتريض والتسلية وممارسة الألعاب الرياضية.
ولقد بدأنا نشعر فى السنوات الأخيرة بأعداد لا بأس بها من أطفال الشوارع، رغم أننى أعترف بأن المشروعات الجديدة فى السنوات القليلة الماضية قد امتصت جزءًا من بطالة الشباب المصرى، سواء فى العاصمة الإدارية أو تلك الإنجازات الهائلة التى نراها على الأرض كل يوم، ومع ذلك فلايزال شبح الفراغ الذى يصرف صغار الشباب نحو اتجاهات ضارة يخيم على كثير من المناطق التى ليست بالضرورة مناطق عشوائية، ولكن لأنها مناطق تضم الفئات الأكثر عددًا والأشد فقرًا.
ولا بد أن يكون لدينا ما يمكن أن يصرف فيه الشباب طاقاتهم ويجعلهم يتهيأون لمستقبل واعد على أساس أن العقل السليم فى الجسم السليم أيضًا، ولا شك أن اهتمام رئيس البلاد بالرياضة، مع اختلاف أنواعها، هو حافز للتفكير فى إيجاد صيغ شعبية لانتشار الألعاب الرياضية وأماكن ممارستها، ولقد عرفت مصر فى بعض الفترات من تاريخها الحديث ما كان يسمى بالساحات الشعبية أو جمعيات الشبان المسلمين أو الشبان المسيحيين، والتى لايزال بعضها قائمًا يشير إلى أهمية اجتذاب الشباب وامتصاص طاقاته فيما هو مفيد بعيدًا عن الأضرار التى تترصده، خصوصًا الانحرافات الفكرية والمخدرات القاتلة التى شاعت بين شباب العالم وأصبحت تسرى سريان النار فى الهشيم، ولا شك أن جهودًا كبيرة تبذلها وزارة الشباب والرياضة داخل النوادى ذاتها وهناك محاولات لاستيعاب أكبر عدد ممن ينضمون إليها، ولكن تظل المشكلة قائمة، نعم هناك قصور للثقافة الشعبية ومراكز للشباب فى أنحاء الجمهورية.
ولكننى أطالب مخلصًا بأن تتحول كثير من أبنية المدارس فى هذا الاتجاه لا فى العطلة الصيفية وحدها، ولكن على مدار السنة فى فترات ما بعد انتهاء اليوم الدراسى، ويجب أن نعترف هنا بأن الإقبال على الذهاب إلى المدارس لا يعكس درجة الإقبال على التعليم، إذ إنه يؤسفنا أن نقرر أن المدرسة لم تعد هى المصدر الوحيد لتلقين الدروس مثلما كانت، فالسنوات الأخيرة حملت فى طياتها تغيرات كثيرة وتطورات كبرى، فلقد أصبحت الأبنية التعليمية أماكن لإجراء الامتحانات أو كتابة الاستمارات لدخولها.
فضلًا عن أنها حاليًا تعانى من فقر فى الإمكانيات التعليمية والتدريبية رغم سلامة معظم الأبنية فى السنوات الأخيرة إلا أنها تفتقر إلى الملاعب وأماكن لحصص الهوايات، مع احترام مفهوم التدريب المهنى الذى يجب أن يرتبط بالدراسة وفقًا للمفاهيم العصرية للتعليم الحديث، وأنا أتطلع ومعى كل من يعنيه الأمر إلى أن يوجد فى كل حى ما يمكن تسميته بساحة الشباب، تضم الأعمار من السابعة أو الثامنة حتى الثامنة عشرة أو العشرين لأننا مسؤولون أمام الله عن الشباب إذا ضاع، وعن الطاقات إذا أهدرت، وعن غياب الرؤية إذا افتقدتها الأجيال الجديدة.
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/2453432