من أطرف المواقف التى عايشتها كانت أثناء زيارة رسمية للرئيس الراحل مبارك إلى دمشق، وطلب يومها الرئيس حافظ الأسد أن يلتقى بالوفد الصحفى المرافق للرئيس المصرى، وكان الوفد يضم كل رؤساء تحرير الصحف تقريبًا لأنها كانت أول زيارة رسمية بعد قطيعة سنوات الثمانينيات بسبب توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، وكان اللقاء وديًا وحارًا التقى فيه الرئيس حافظ الأسد والرئيس مبارك بالصحفيين المصريين والسوريين فى اجتماع مُوسَّع تخلّلته العواطف الجيّاشة والعبارات الطيبة من الجانبين.
وكان من بين أعضاء الوفد المصرى الأستاذان الكبيران أنيس منصور ومكرم محمد أحمد، وبدأ الرئيس السورى يعاتب الصحفيين المصريين على التجاوزات التى وقع فيها بعضهم فى سنوات القطيعة، ورأى الرئيس الأسد أن فيها إساءة مشتركة للبلدين معًا، وكان العتاب رقيقًا ولكنه جاء فى إطار حديثٍ طويل للرئيس السورى الذى كان معروفًا بالاستفاضة والجلسات الطويلة، وقد لاحظت أن الرئيس السورى يركز نظره على الأستاذ مكرم محمد أحمد باعتباره موضوع العتاب، بينما كنت أدرك أن هناك خلطًا واضحًا فكل الذى أشار إليه الرئيس السورى قد جاء فى مقال للأستاذ أنيس منصور وليس الأستاذ مكرم، وأيقنت لحظتها أن الرئيس السورى يخلط بين الشخصيتين ولا تنطبق لديه تمامًا الأسماء على الشخصيات، وظل الأستاذان مكرم وأنيس لا يعلقان طوال الجلسة، لأن كلاً منهما افترض أنه ليس هو المقصود!.
ولكن بعد انتهاء اللقاء الصحفى لاحظت أن كل الحاضرين قد شعروا بالمفارقة التى حدثت وأصبحوا يتندرون بها طوال الزيارة ويقولون للأستاذ أنيس إنك مدين للأستاذ مكرم بنظرات الرئيس السورى وانتقاداته، بينما يرد الأستاذ أنيس بسخريته المعروفة وذكائه الحاد هل ذكر الرئيس اسمى؟، إن ذلك لم يحدث إنه يقصد مكرم ولست أنا.. والكل يضحك من هذه النادرة حتى بلغ الأمر الرئيس مبارك ونحن فى طائرة العودة، والذى قال إنه لم يلاحظ شيئًا فى الأمر وأن عتاب الرئيس السورى كان أخويًا ورقيقًا. وما أكثر النوادر التى تحدث نتيجة الخلط بين الأسماء والأشخاص مع أن مهمة السكرتير الصحفى أو مسؤول المعلومات الذى يعمل مع أى رئيس هى أن يضع أمامه ملفًا كاملاً للشخصيات ونبذة عن كل منها مع صورة لصاحبها حتى لا يحدث مثل ذلك الخطأ الذى جرى يوم زيارة دمشق.
وجدير بالذكر أن زياراتنا لسوريا كانت تتميز بالدفء الشديد فى العلاقة، فيبدو أن الدولة الواحدة التى ضمت مصر وسوريا مرة فى القرن التاسع عشر (1831 /1840) ومرة أخرى فى القرن العشرين (1958 /1961) قد تركت أثرها الكبير، بل إن هناك بعض الأحياء فى دمشق عندما تمشى فيها تتصور أنك فى حى مصر الجديدة بالقاهرة، ولقد طلب منى وقتها أستاذ جيلى من الدبلوماسيين أسامة الباز أن أرافقه فى نزهة على الأقدام فى سوق الحميدية، وقد تعرف الكثيرون على ملامح الدكتور أسامة الباز وتجمعوا يومها حولنا وتحولت النزهة القصيرة إلى ندوة كبيرة فيها مشاعر أخوية طيبة وأحاسيس صادقة، وصممت بعض المحلات على إهدائنا بعض «الشراشف» والمنسوجات الحريرية التى تشتهر بها الشام، وهو الاسم المتداول لدمشق، فمثلما نسمى القاهرة مصر يسمون هناك دمشق باسم الشام.
إن الذى ينقب فى تاريخ العلاقات العربية العربية سوف يكتشف أن العلاقات بين الشعوب ثابتة وقوية ضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ قبل الإسلام وبعده، كما أن الخلافات السياسية بين الحكومات تكون دومًا على السطح ولا تؤثر فى الأصول التاريخية أو التركيبة القومية، كما تتجمع السحب ثم تصفو بعد ذلك السماء نجد أن الإقبال المتبادل من كل الجوانب، مؤكدًا لمفهوم العروبة وداعمًا لمفهوم الأمة الواحدة مهما اختلفت المشارب وتباينت المصالح، إلا أن هناك شيئًا ما يبقى فى الأصل بسبب العامل الثقافى المشترك الذى يجمع العرب فى كلمة واحدة.
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/2478561