يتعرَّف الناس فى دول العالم المختلفة على شخصية الأثرى المصرى «زاهى حواس» من خلال قُبَّعته الشَّهيرة، والتى يبيع كل واحدة منها بخمسة وسبعين دولارًا على أن يعود عائدها إلى مستشفى سرطان الأطفال فى مصر، ولكن اللافت هو أن تلك القُبَّعة قد حازت من الشُّهرة ما لم يكن متوقعًا، فقد أصبحت علامة ثابتة، أو ماركة مُسجَّلة باسم الأثرى المصرى، وعندما يُدعى «زاهى حواس» لإلقاء مُحاضرات فى «الولايات المتحدة الأمريكية» عن الآثار المصرية، فإنه يحتشد له الآلاف من المُولعين بتلك الحضارة المُلهمة، ولعلَّ ثراء الحضارة الفرعونية هو أحد مصادر قيمتها الإنسانية، ففى مدينة «الأقصر» وحدها يرقد ربع التراث الإنسانى العالمى، وكل مدينة مصرية تحتها مدن أخرى أقدم، لذلك فإننى ممَّن يعتقدون أن اهتمامنا بالآثار يجب أن يغلب على كل ما سواه، ليس لأن الآثار هى أغلى سلعة نقدمها للغير، ولكن لأنها تراث إنسانى يعتبر المصريون حُرَّاسًا عليه، ولقد رأت «مكتبة الإسكندرية» أن يكون فيها عدد من المراكز البحثية الكبرى بحيث يرتبط كل منها باسم شخصية مصرية دولية، وبالفعل فيها مركز للأبحاث الطبية باسم جرَّاح القلب العالمى «د.مجدى يعقوب»، وقسم للأبحاث العلمية والدراسات المستقبلية باسم «د.إسماعيل سراج الدين» مدير المكتبة السابق، وبرنامج علمى باسم «د.إبراهيم شحاتة» تلك الأيقونة المصرية التى رحلت مُبكِّرًا بعد أن تركت بصمات قوية على الحياة المصرية والدولية، فقد كان نائبًا أوَّل لرئيس البنك الدولى، وهو أيضًا مؤسس «صندوق الأوبك» فى «فيينا»، وأوَّل مدير له، وصاحب الكتاب الشَّهير الذى ضمَّنه ما سمَّاه «وصيتى لبلادى»، لذلك رأت الإدارة الجديدة لـ«مكتبة الإسكندرية» أن تُزيَّن تلك المراكز البحثية بمركز للآثار المصرية يحمل اسمًا دوليًّا معروفًا، فكان الإعلان عن إنشاء مركز «زاهى حواس» للمصريات، وجرى الإعلان عنه فى حفل حضره وزير الآثار ووزيرة السياحة بحديقة «المتحف المصرى»، وقد استقبلت الأوساط المعنية بالدراسات الأثرية تلك الخطوة بالترحيب والتقدير، ولقد تحدَّث الفنان العالمى الراحل «عمر الشريف» فى فيلم مُسجَّل قبل رحيله يقول فيه: «كنتُ أظنُّ نفسى أشهر مصرى فى الخارج إلى أن طغت شُهرة (زاهى حواس) على اسمى»، كما أشادت السيدة «جيهان السادات» فى نفس الفيلم التسجيلى بمكانة الدكتور «زاهى حواس» وقيمته العالمية، ومازلتُ أتذكَّر شخصيًّا أننى كنتُ أجرى فحوصًا دورية فى أحد المستشفيات الذى يبعد عن العاصمة البريطانية سبعين ميلاً، وبينما الممرضة تقوم بتركيب أجهزة قياس مجهود القلب قالت لى: أنت من مصر؟ فقلتُ: نعم، فقالت: إننى سوف أذهب أنا وخطيبى لقضاء شهر العسل فى «مصر» أثناء عطلة عيد الميلاد القادم، فقلتُ لها مُجاملةً: سأوصى عليكما صديقى أمين عام «المجلس الأعلى للآثار» فى «مصر»، وهو الدكتور «زاهى»، فأكملت هى الاسم: «حواس»، فاندهشتُ كثيرًا أن اسم ذلك الأثرى المصرى معروف لدى العامة فى كل مكان، بل إن ابنتى قد اتَّصلت بى من «نيويورك» ذات صباح وقالت لى: إن لافتات تملأ الشوارع عن معرض للآثار المصرية، وعلى كل اللافتات صورة للدكتور «زاهى حواس» بقُبَّعته الشَّهيرة، عندئذٍ شعرتُ بحسرة حقيقية أن العالم كله يُقدِّره ويستفيد منه وأننا لم نُحقِّق تلك الفائدة، بل إن هناك من رأى منعه من السفر عدَّة سنوات -بعد ثورة 25 يناير 2011 – فى تُهَم باطلة ثبت زيفُها تمامًا أنه لا كرامة لنبىٍّ فى وطنه، أو أن شاعر الحى لا يُطربه كما يقولون! وقد اقترحنا كثيرًا على الحكومة المصرية، خصوصًا فى ظل ظروف الحصار المضروب على السياحة فى بلادنا، أن تُعطى «زاهى حواس» لقب السفير المُتجوِّل للإعلان عن الآثار المصرية والترويج للسياحة، وأنا واثق من أن وفدًا يرأسه الدكتور «زاهى حواس» سوف يُحقِّق جولات ناجحة فى مختلف العواصم الغربية والشرقية، بل إننى طالبتُ فى مرَّات عديدة بأن يكون «زاهى حواس» مُرشَّحًا لمنصب مدير عام «اليونسكو» مع اعترافى بقيمة المرشحين -بعد ذلك- ومكانتهم التى لا نشكك فيها، ولكن تخصص «زاهى حواس» ونشاطه الدولى هما الأقرب لتلك الوظيفة الدولية، وكان يمكن أن نكتفى بالدعاية بإصدار طابع بريد عليه صورته بالقُبَّعة ومكتوب تحتها «THE MAN OF THE HAT» رسول الحضارة المصرية إلى «اليونسكو» العالمية.
إننى لا أكتب هذه السطور تكريمًا لشخص، أو دعايةً لأثرى معروف لا يحتاج مِنِّى إلى ذلك، ولكننى أُقرِّر حقيقة مفادها أننا نُهدر الكثير من الإمكانات المُتاحة لدينا، خصوصًا فى الموارد البشرية والكفاءات العلمية والخبرات الثقافية.
د. مصطفى الفقى;
مجلة 7 أيام العدد 279
تاريخ النشر: 28 مايو 2018
رابط المقالة: https://www.7-ayam.com/%d9%82%d8%b5%d9%91%d9%8e%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%8f%d8%a8%d9%91%d9%8e%d8%b9%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b2%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d9%89/