يستقبل المرء يومًا جديدًا كل صباح، وأكثر ما يؤرقنى شخصيًّا أن أستيقظ على مشكلة جديدة مثل غياب السائق أو انقطاع التيار الكهربائى وغيرهما من الأزمات اليومية الطارئة، ولكن أشد ما يؤرقنى أن أصحو من نومى متجهًا إلى الحمام لبدء الطقوس الصباحية فإذا المفاجأة الصعبة هى انقطاع المياه!
نعم، قد لا يحدث هذا كثيرًا، ولكنه عندما يحدث فنحن أمام أزمة غير متوقعة، وتأتى التبريرات سراعًا من قائل إن ذلك نتيجة انفجار ماسورة مياه، وآخر يقول بل هو تعديل فى محطات الرفع، وثالث يزعم أنها محاولة لترشيد المياه، ولا تجدى التفسيرات نفعًا، ولا تحل مشكلةً، وليس أمامى من حل إلا الذهاب إلى منزل ابنتى من أجل حلاقة لحيتى والاستمتاع بحمام الصباح، ولكن الخسارة قد حدثت! لقد ضاع الوقت واضطربت سلسلة المواعيد لالتزامات الفترة الصباحية، كما أننى لست الوحيد الذى يعانى ذلك، فطالب الجامعة وتلميذة المدرسة وموظف المصلحة وربة المنزل كلهم تعرضوا للآثار السلبية لأزمة انقطاع المياه فى ساعة مبكرة من الصباح، وتذكرنى مسألة انقطاع المياه بطرفة حدثت بين زوج ابنتى الصغرى «عمرو كامل» وصديقنا المشترك المهندس اللامع «أحمد صبور» وهو صاحب المنتجع الذى تسكن فيه ابنتى وزوجها وأولادهما..
فى أحد أيام الشهور الأولى للمنتجع الجديد انقطعت المياه فى الصباح، واستيقظت الأسرة الصغيرة ليتجه كلٌّ إلى عمله أو مدرسته، ولكن الأمر كان مختلفًا وصعبًا، عندئذ أجرى زوج ابنتى اتصالاً هاتفيًّا بصديقنا المهندس «أحمد صبور»، وبادره قائلاً هل استمتعت بحمام الصباح يا باشمهندس؟ فردَّ «صبور» ببراءة: نعم، ولكن لماذا هذا السُّؤال؟! فقال له زوج ابنتى: ما فعلته أنت نحن محرومون منه هذا الصباح، فالمياه مقطوعة، فضحك «صبور» كثيرًا، وقال: إن ما جرى يرجع إلى أمر عام فى المنطقة كلها وهو خارج عن إرادتى وإرادة المسئولين معى، وظلت هذه الدعابة تلاحقنا حتى أننى كلما رأيت المهندس «أحمد صبور» بادرته قائلاً: هل أخذت حمام الصباح؟ فيضحك كلانا من الأعماق ويشاركنا زوج ابنتى الابتسامة لهذه الواقعة، وأنا أنتمى إلى نوع من البشر إذا بدأ بشىء يزعجه فى الصباح فإن ذلك ينعكس على حالته النفسية طوال اليوم، ولهذا فإننى أحرص على استقبال الساعات الأولى من الصباح فى رضا وارتياح وأستعيذ بالله من كل ما يُكدِّر الصفو فى تلك الأوقات، وهناك مبرر آخر للضيق أحيانًا وهو مطالعة الصحف الصباحية، فإذا احتوى أحدها على خبر عام لا يرضينى ويتضمن إساءةً للوطن، فإننى أشعر باكتئاب شديد وأنتقل من حالة نفسية إلى أخرى فيها قلق وضيق، فأنا مثل الكثيرين ممن تنعكس الأوضاع العامة بشكل مباشر على حالتهم النفسية ومزاجهم الخاص، كما أننى أنتمى إلى جيل عاصر أحداث نكسة يونيو 1967 التى انعكست على نفسياتهم بشعور حزين لسنوات طويلة حتى كان العبور العظيم، كما أننى أنتمى إلى ذلك الجيل الذى يحب «عبدالناصر» ويحترم «السادات» وينظر إلى تاريخ الوطن نظرة عضوية متسقة كوحدة متكاملة لشعب عريق، إن كل هذه الهواجس والذكريات طافت بخيالى وأطاحت بالهدوء الذى ألتمسه فى بعض أيام عطلات الصيف، ولقد كان السبب ببساطة هو انقطاع المياه عن منزلنا وجيراننا صباح ذلك اليوم، ويتبادر إلى الذهن مباشرة ذلك القلق الخفى الذى يسيطر على عقول المصريين من نتائج بناء «سد النهضة» الإثيوبى فنحن نتحمس لتنمية الدول الشقيقة ولكننا فى الوقت ذاته نشعر بمخاوف مشروعة من تأثر حصة مصر من مياه النيل وهو أمر غير وارد بالضرورة لأن المياه هى الحياة ولن يقبل المصريون أن تتأثر مياه النيل بأى سياسة معادية لشعب ارتبطت ثقافته بالنهر واقترن تاريخه بمجراه وأدرك دائمًا أن الحياة حق له ولكل جيرانه من دول حوض النهر.. لعنة الله على انقطاع المياه التى نرجو ألا تحدث أبدًا.
د. مصطفى الفقى;
مجلة 7 أيام العدد 286
تاريخ النشر: 10 يوليو 2018
رابط المقالة: https://www.7-ayam.com/%d8%a7%d9%86%d9%82%d8%b7%d8%a7%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8a%d8%a7%d9%87-%d9%81%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%a8%d8%a7%d8%ad/