يتشابه إنتاج مكتبة الإسكندرية فى بعض جوانبه الفنية مع ما تقدمه دار الأوبرا المصرية، ذلك أن الفن رسالةٌ مشتركة بين الاثنتين، قد تتفرغ له دار الأوبرا تمامًا ولكنه يبقى جزءًا مهمًّا من إنتاج مكتبة الإسكندرية أيضًا، ولحُسن الحظ فإن الوزيرة الحالية الفنانة إيناس عبدالدايم تدرك هذه المفاهيم جيدًا لأنها حاصلة على الدكتوراه من فرنسا فهى تنتمى إلى المدرسة الفرنسية فى فهم الفنون وتذوقها فقد نهلت من المنبع دون غيره.
لقد تحدثت معها -وهى صديقة عزيزة- عن أهمية التعاون الذى دعت هى إليه من قبل بين دار الأوبرا ومكتبة الإسكندرية واتفق رأينا على أن نقوم بتوقيع بروتوكول تعاون بين المؤسستين يكون من شأنه تسهيل الإنتاج المشترك والعمل على تجانس الأعمال الفنية سواء فى القاهرة حيث دار الأوبرا أو فى الإسكندرية حيث المكتبة فضلاً عن فرعى الأوبرا فى الإسكندرية ودمنهور، ولقد عكفت مع مجموعة من زملائى فى المكتبة على إعداد مشروع البروتوكول الذى أرجو أن يكون بداية لمرحلةواعدة فى مسيرة الفن المصرى المعاصر، وجدير بالذكر أن الفن من أهم القوى الضاربة ضد الإرهاب وهو سلاح المقاومة ضد التطرف وهو أيضًا الحصن الحصين ضد التشدد والغلو والتعصب، والفن باختصار هو صناعة الحياة بينما الإرهاب هو صناعة الموت، لذلك فإننا إذ نمضى على الطريق نحو توحيد الجبهة المضادة للخراب والدمار والموت فإننا نكون على الطريق الصحيح.
إن مكتبة الإسكندرية الثانية بعد الأولى التى اندثرت منذ ألفى عام عندما بناها بطليموس الأول وبطليموس الثانى فإن هذه المكتبة وهى الأعرق فى عالمنا المعاصر تتجه إلى تدعيم مكانتها وتعزيز دورها خصوصًا أن الأوبرا المصرية هى واحدة من أقدم دور الأوبرا فى الشرق وقد تعرضت الأوبرا الأولى للحريق مثلما جرى لمكتبة الإسكندرية الأولى، حيث ظل الفاعل فى الحالتين مجهولاً أو غامضًا، ولعلى أسجل هنا النقاط الآتية:
أولاً: إن دار الأوبرا القديمة كانت مبنية فى معظمها من الأخشاب مَا جعل الحريق يلتهمها فى وقت تواكب مع حريق مسجد محمد على فى القلعة، وكأنَّ هناك من يحاول أن يطمس تاريخ مصر الحديثة ومبانيها الشامخة، ومازلت أتذكر يوم افتتاح الأوبرا الحالية وقد كنت أجلس خلف الرئيس الأسبق مبارك مباشرةً باعتبارى سكرتيره للمعلومات، وكان يجلس إلى جانبه نائب رئيس الجمهورية العراقية مندوبًا عن الرئيس صدام حسين، وقد قال النائب العراقى للرئيس مبارك إن الإمكانات المالية لدول عربية كثيرة تجعلها قادرةً على بناء صروح مثيلة كالأوبرا المصرية، ولكن المشكلة أن تشغيلها سوف يحتاج إلى المؤلفين من مصر والعازفين من مصر والفنانين من مصر وربما المتفرجين أيضًا فضحك الجميع من هذه المجاملة الراقية للمسئول العراقى فى تلك المناسبة الكبيرة.
ثانيًا: إن الأوبرا الجديدة تم بناؤها بدعم يابانى لذلك جاءت مقاعدها صغيرة وفقًا للأحجام اليابانية! ومازلت أتذكر أن وزارة الثقافة المصرية ووزيرها حينذاك الفنان فاروق حسنى رأوا مجاملة اليابان بأن يكون العمل الدرامى الكبير الذى تفتتح به الأوبرا هو من روائع الأدب اليابانى وبالفعل تم عرض الكابوكى وهو عمل يابانى كلاسيكى وتحمل الجميع أكثر من ساعتين فى مشاهد غير مفهومة ولكنها فى النهاية مجاملة تستحقها الدولة التى بنت الأوبرا، ولقد ظل هذا الأمر يتردد على سبيل الفكاهة فيقول البعض على أمر معقد إنه يشبه الكابوكى!
ثالثًا: تظل الأوبرا المصرية علامة مضيئة على حداثة مصر فى القرن التاسع عشر حينما أرادها الخديو إسماعيل قطعة من أوروبا وهى شاهد أيضًا على مصر الخديوية بعد المشاهد الرائعة للمبانى العظيمة للقاهرة الفاطمية والقاهرة المملوكية فالعاصمة المصرية هى بحق متحف للزمان والمكان.
إن البروتوكول الذى سوف أوقعه مع مدير الأوبرا الحالى وهو شخص خلوق ومحترم هو تأكيد على التواصل الحضارى الممتد بين مرافق الثقافة المصرية كما أنه يعنى أيضًا أن مصر مُنجبة ومعطاءة يستقر بها الفن ويزدهر الأدب ويتألق الشعر.
د. مصطفى الفقى;
مجلة 7 أيام العدد 287
تاريخ النشر: 17 يوليو 2018
رابط المقالة: https://www.7-ayam.com/%d9%85%d9%83%d8%aa%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%83%d9%86%d8%af%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%af%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d8%a8%d8%b1%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5%d8%b1%d9%8a/