ذات يومٍ تلقَّيتُ دعوةً لاجتماع المجلس القومى للمرأة برئاسة السيدة سوزان مبارك على أن يكون الاجتماع فى «مُنتجع السليمانية» على بُعد يزيد على خمسين كيلومترًا من بداية طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوى، وذهبتُ إلى هناك لأجد زملائى الكبار من أمثال الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، والدكتورة فرخندة حسن الأمين العام للمجلس، والدكتور محمود شريف الوزير الأسبق، والدكتور جابر عصفور الذى كان عضوًا بالمجلس وأمينًا عامًا للمجلس الأعلى للثقافة فى ذلك الوقت، وتوافد الحاضرون إلى أن وصلت السيدة الأولى وخلفها سيارات الحراسة وسيارة الإسعاف المُجهَّزة التى تُرافقها كما هو الأمر بالنسبة للرئيس أيضًا، وقد بدأت الأحاديث الجانبية على امتداد الحديقة الواسعة فى ذلك المُنتجع الذى يملكه ضابط مهندس سابق -وهو يُوليه اهتمامًا وعناية دائمين- ثم اتَّجهنا إلى مائدة الطعام لتناول الغداء فى حضور السيدة قرينة رئيس الجمهورية، وكُنتُ أجلس وبينى وبينها شخصان، وما إن انتهينا من الطعام بدقائق قليلة حتى وجدتُنى غيرَ قادر على الوقوف أو السيطرة على جسمى تمامًا، وبدأتُ أشعر بهبوط حادٍّ ورغبةٍ مُؤلمة فى القىء وتمكَّنتُ من أن أقول كلمات قليلة للدكتور محمود شريف؛ إذ قُلتُ له إننى أموتُ، ثم سقطتُ مغشيًّا علىَّ مع نوبات قىء، وتجمَّد الجميع فى أماكنهم وطلبت السيدة الأولى أن تنقلنى سيارة الإسعاف المُرافقة لها إلى أقرب مستشفى فورًا، وهو «دار الفؤاد»، ولم أكن أدرى بشىءٍ حولى إلا بشكل ضبابى غير واضح مع آلام حادَّة، وركب معى فى سيارة الإسعاف الدكتور محمود شريف -الوزير الأسبق وهو جرَّاح شهير- ومعنا الدكتورة «وفية» قرينة وزير الصحة الدكتور إسماعيل سلام، وكانت عضوًا بالمجلس القومى للمرأة أيضًا، وكل ما أذكرُه فى الساعات التالية على ذلك هى تلك الخبطات العنيفة والسُّرعة فى إدخالى إلى أنابيب الأشعَّة الكبيرة، ولم أكن قادرًا على تبيُّن الأصوات من حولى، ولكن كان واضحًا أن الموقف خطير، وتم وضعى فورًا على المحاليل، ووصل الدكتور حاتم الجبلى -صاحب ومدير المستشفى- وبدأ يُتابع الحالة هو وكبار الأطبَّاء، ثم جرى نقلى بعد ذلك إلى غُرفة العناية المُركَّزة حتى وصلت زوجتى وابنتاى -سلمى وسارة- وبدا الموقف صعبًا وقاسيًا، وبدأتُ أُفيق فى اليوم الثانى، وكان واضحًا أننى تعرَّضتُ لحالة تسمُّم شديدة من جرَّاء الطعام الذى تُرك مكشوفًا لأكثر من ساعة حتى تناولناه، وفى اليوم التالى وصل أخصائى المناظير والجهاز الهضمى الدكتور «وحيد دوس»، وهو شقيق قرينة صديقى العزيز الوزير الأسبق منير فخرى عبدالنور، وقد كان واضحًا أن الجهاز الهضمى كله أصبح مُلتهبًا جرَّاء العقاقير والمحاليل المُكثَّفة فى ساعات قليلة، وأمضيتُ فى المستشفى عدَّة أيام اتَّصل بى للسؤال عنِّى –مشكورًا- الرئيس الأسبق «مبارك»، وعدد كبير من رجال الدولة والأصدقاء، كما زارنى عددٌ منهم فى مُقدِّمتهم الصديق الرَّاحل الوزير ممدوح البلتاجى، بالإضافة إلى أصدقائى ومعارفى، وهُم كُثُر، لذلك آثرتُ الخروج من المستشفى بعد أربعة أيام، والرَّاحة فى المنزل لتجنُّب ضغط الزيارات التى لا مُبرِّرَ لها غالبًا، فضلاً عن أنها تُرهق المريض أحيانًا، ولقد علمتُ فيما بعد أن أمن رئاسة الجمهورية انتقد بشدَّة أن نقلتنى سيارة الإسعاف الخاصة بالسيدة الأولى وقالوا إنها لا تتحرَّك إلا لها رغم أن ذلك كان بأمرها، وتساءلوا لو تعرَّضت هى لا قدَّر الله لمكروه وسيارة الإسعاف غير موجودة بـ(الرِّكاب)، فإننا نكون أمام موقف خطير نتيجة التَّصرُّف المُتعجِّل للسَّماح باستخدام سيارة الإسعاف المُرافقة لها حتى ولو لإنقاذ شخص آخر! ولقد تعلَّمتُ ممَّا جرى فى تلك المُناسبة ضرورة الحرص عند تناول الطعام فى الأماكن المكشوفة، خصوصًا فى فصل الصيف، حيث يفسد الطعام بسُرعة، ومن غير المُستحبِّ تناوُل الخضراوات الطازجة فى الأماكن المكشوفة خارج المنازل.. إنها تجربة أليمة جعلتنى أتحسَّبُ كثيرًا من الطعام الذى يبقى معروضًا لمدة غير قصيرة، خصوصًا أن التَّسمُّم أمرٌ واردٌ فى حالات كثيرة، وكلما مررتُ أمام مُنتجع «السليمانية» فى طريقى إلى الإسكندرية تذكَّرتُ ذلك اليوم بمتاعبه ومصاعبه ومُعاناته!
د. مصطفي الفقي;
مجلة 7 أيام العدد 290
تاريخ النشر: 9 أغسطس 2018
رابط المقالة: https://www.7-ayam.com/%d8%a5%d8%ba%d9%85%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%81%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d9%8a%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9/