أزعم أنني شاهد مباشر علي بعض الاتصالات الرسمية بين نواب مجلس الشعب من جماعة الإخوان المسلمين والوفود البرلمانية الأمريكية التي قدمت لـ مصر علي امتداد السنوات العشر الأخيرة وذلك بحكم موقعي السابق رئيسا للجنة العلاقات الخارجية في برلماني (2000 و2005).
وأود أن أسجل هنا شهادتي في أمانة وتجرد إيمانا مني بأن الوطن كله يمر بلحظة صدق واجبه, وأبادر وأسجل أن القراءة في العلاقات الدولية المعاصرة تجعل تبادل الرأي بين الشعوب أمرا طبيعيا.
فمن حق الوفود الزائرة أو البعثات المقيمة أن تستقبل من تشاء وأن تسعي لكل من تريد علي الساحة السياسية سواء كان في الحكومة أو المعارضة, وأود أن أشير هنا إلي أن حساسية الدولة المصرية للاتصالات التي جرت أو تجري بين وفود أجنبية ورموز للمعارضة هي أمر لا مبرر له, كما أن التذرع السابق بأن بعض هذه القوي لم يكن له شرعية قانونية هو وهم آخر كان يتحدث عن الجماعة المحظورة أو المنحلة وهو قول لا يخلو من السفة وضيق النظرة, وأنا لا أقول ذلك الآن متحصنا بسياج الثورة ولكن قلت ذلك مرارا في السنوات الماضية, فلقد ذكرت دائما أنني قد أختلف مع فكر جماعة الأخوان المسلمين ولكنني مع حقهم الكامل في المشاركة السياسية علي ساحة العمل الوطني لأنهم مواطنون يحملون فكرا ويطرحون رأيا ولقد أدنت دائما أسلوب التعامل الأمني معهم لذلك وجدت في لجنة العلاقات الخارجية متنفسا يعبرون فيه عن وجهة نظرهم في حديث مباشر مع الوفود الدولية القادمة إلي البرلمان المصري, ولقد انتقدني ذات يوم مسئول كبير في البرلمان وقال إنك تعطي نواب الجماعة أولوية في الحديث ومساحة في الحوار بشكل لايخلو من مجاملة مكشوفة ولكنني مضيت في طريقي مؤمنا بأن الوجود السياسي علي الساحة الوطنية وفي الشارع المصري هو الذي يعطي صك الشرعية في المقام الأول ولايعني عدم الاعتراف الرسمي بجماعة سياسية أنها غير موجودة! فالواقع هو الذي يفرض نفسه في النهاية, وهنا دعني أوضح الحقائق التالية:
أؤلا: مازار وفد من الكونجرس الأمريكي لجنة العلاقات الخارجية إلا وأعطيت الفرصة كاملة لكل الاتجاهات السياسية بل والانتماءات الدينية لتطرح مواقفها في علانية وشفافية ووضوح, إيمانا مني بحق الفرص المتكافئة للجميع في الحوار الحر مع الآخر بل إنني أقر بأن الوفود الأجنبية. خصوصا الأمريكية ـ كانت تبدي اهتماما خاصا بالحديث مع نواب الإخوان المسلمين, ويشهد الزميلان العزيزان النائبان د. حازم منصور و يسري تعيلب وهما من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أنني أتحت لهما الفرصة كاملة للحديث مع الوفود الأمريكية تحت قبه البرلمان وعندما طلب بعض النواب الأمريكيين التواصل مع نواب الإخوان خارج المجلس لم أتدخل وتركت ذلك الحق مكفولا نتيجة إيماني بأن صاحب القضية هو الأقدر علي طرحها والنقاش حولها وقد حضر بعض هذه الجلسات النائب د. سعد الكتاتني رئيس كتلة الإخوان أو جماعة الثمانية والثمانين آنذاك وهو أستاذ جامعي دمث الخلق ولقد شارك الرجل وزميلاه المحترمان في حوارات اللجنة بندية وصراحة ووضوح وهم جميعا شهود أحياء.
ثانيا: لقد تركزت أحاديث نواب الإخوان دائما حول الضغوط التي يعانون منها والملاحقة الأمنية التي تطاردهم في كل مكان, وأضيف هنا أن نواب الإخوان كانوا ينطقون من أرضية وطنية ويعبرون عن وجهة نظرهم في اعتدال وموضوعية والتسجيلات موجودة في أرشيف البرلمان المصري.
ثالثا: استأثرت القضية الفلسطينية بجزء كبير من حوار نواب الإخوان مع وفود الكونجرس الأمريكي وأبدوا تعاطفا مع حركة حماس وشرحوا موقف الإسلام الحنيف من الصراع العربي الإسرائيلي وكيف أن القضية الفلسطينية ذات بعدين ديني وقومي منذ بدأت طلائع الفدائيين تتحرك نحو فلسطين عام 1948 وكانت تضم أعدادا من متطوعي جماعة الإخوان المسلمين في ذلك الوقت.
رابعا: إن النظام السياسي الذي يحجب رؤية بعض القوي السياسية فيه عن العالم الخارجي هو نظام يعيش خارج دائرة العصر, وإذا كنت شخصيا ممن يؤمنون بحرية الفكر فإنني قد عبرت عن نفسي طوال السنوات الماضية وفقا للمقولة الخالدة للإمام الشافعي (إن رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) وهي التي عبر عنها أيضا في الفكر المسيحي الغربي فولتير عندما قال (إنني مستعد أن أدفع حياتي ثمنا للدفاع عن حرية رأي أختلف معه).
خامسا: إنني لا أزال أتذكر من برلمان 2000 عندما جري اعتقال ابن النائب الدكتور محمد مرسي القطب الإخواني الشهير ورئيس حزب الحرية والعدالة حاليا, لقد قال لي يومها إن ابني يحمل الجنسية الأمريكية بالمولد ولكنني لن أقبل استخدامها إيمانا مني بالوطنية المصرية قبل كل شيء ولقد تعاطفت معه يومها فيما ذهب إليه وشعرت بتقدير لما رأه, ومن هذا المنطلق الذي يستند إلي الحياد الأكاديمي والموضوعية السياسية رأيت دائما أن أتخذ مواقف عادلة تجاه جماعة الإخوان المسلمين التي أختلف معها فكريا ولكنني أعطيها حقها سياسيا كما سجلت ذلك في مواقف عديدة عبر السنوات الماضية.
... هذه قراءة عادلة حول الاتصالات السابقة بين جماعة الإخوان المسلمين و الإدارة الأمريكية وليس الكونجرس وحده فمازلت أتذكر أنه قد تردد الكثير أيضا في هذا الشأن منذ بدايات تسعينيات القرن الماضي عندما كان بيللترو هو سفير واشنطن في القاهرة بعدما سبقة سفير أمريكي أخر مؤثر وخطير هو فرانك وزنر, ولقد آمنت منذ ذلك الحين بأن واشنطن تراهن علي القوي الصاعدة علي المسرح السياسي المصري بغض النظر عمن تكون ومتي تصل إلي السلطة.... إنني أقول ذلك إسهاما مني في إجلاء الحقيقة ووضع النقاط فوق الحروف, بقي أن نقول إنه واهم ذلك الذي يتخوف من أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعي للقوي السياسية المختلفة من منطلق دعم الديمقراطية وغير ذلك من شعارات واشنطن في السنوات الأخيرة فالهدف الحقيقي في ظني هو ضمان الولاءات واستقطاب الجماعات وتدجين القوي السياسية في علاقاتها مع الولايات المتحدة وحماية مصالحها الكبري في المنطقة.
جريدة الأهرام
9 أغسطس 2011
http://www.ahram.org.eg/Archive/619/2011/8/8/4/94339.aspx