هذا عنوان كتاب صدر لي عام 2002 فنحن إذن لا نستثمر الظروف الاستثنائية لتحقيق ما فشلنا فيه في الظروف الطبيعية ولعلنا نشير إلي ما كتبناه في هذه الصحيفة عبر الأعوام الأخيرة بما أدي إلي حجب مقالنا لمدة عام كامل ووقوعنا تحت طائلة هجوم شرس من صحافة الحزب الوطني الذي كنا ننتمي إليه!
ونحن لا ندعي الآن البطولة أو نتبرأ من تاريخنا السياسي بما له وما عليه ـ والذي بدأ منذ منتصف ستينيات القرن الماضي مع ازدهار سنوات الحلم القومي في عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ولكننا نتقدم اليوم ببعض الأفكار التي نرجو أن تسهم في الخروج من الحلقة المغلقة للمشهد المصري الراهن خصوصا وأننا قد اكتشفنا أن مصر أكبر مما كنا نتخيل وأن شعبها أعظم مما كنا نتصور ويكفي أن نتذكر أن الرئيس الأمريكي أوباما كان يطل علي مشاهديه عبر العالم كله متحدثا عن مصر أكثر من مرة في اليوم الواحد, بل إن وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون قد تحدثت عن مصر رسميا في الأيام الأخيرة أكثر من عشر مرات فضلا عن المتحدث الرسمي بإسم الادارة الأمريكية والمبعوث الخاص السفير الأسبق فرانك وزنر, بل إنني قد تلقيت شخصيا عددا من الاتصالات الداخلية والخارجية تعكس حجم الاهتمام بالوطن المصري والحرص عليه, فلقد اتصل بي مرتين السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس متمنيا كل ما هو في صالح مصر الدولة المركزية المحورية في المنطقة, كذلك اتصل بي أيضا من اختلف معهم في الرأي ولكنني أحتفظ معهم بحبال المودة وأخوة الوطن مهما تباينت الاتجاهات واختلفت المعتقدات, وأذكر في ذلك السياق الأستاذ محمد مهدي عاكف المرشد العام السابق للإخوان المسلمين والذي اتصل بي أكثر من مرة مبديا آراءه مؤكدا حرصه علي سلامة الوطن واستقراره, كذلك فعل صديقي محمد إحسان عبد القدوس بنقائه الثوري وتلقائيته المعروفة, كما تحاورت مع عشرات من المفكرين والقانونيين والساسة ومئات الشباب بل وذهبت إلي معقل تظاهرهم في ميدان التحرير مستطلعا ومستمعا ـ رغم بعض المضايقات التي تعرضت لها ـ إلا أنني وجدت نفسي أمام مشهد جديد في تاريخنا الوطني المعاصر كل ذلك في وقت يقف فيه العالم العربي علي أطراف أصابعه يرقب ما يجري في الكنانة لأنه يدرك بفطرته أن ما يحدث فيها يحدد مستقبل الأمة برمتها, كما أن الدولة العبرية بدت كامنة في خبث معهود تتابع ما يجري في مصر وتستشرف تأثيره علي مستقبل السلام في المنطقة, وبهذه المناسبة فإنه لا يخالجني شك في أن إسرائيل هي التي تحدد الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط ومواقفها المختلفة من نظمه السياسية, والآن دعنا نطرح الأفكار الآتية:
أولا: إن الدستور هو أبو القوانين ولا شك أن تعديله يفتح أبوابا رحبة أمام وصول من يستحق إلي منصب الرئيس مع وضع حد لمدة البقاء في السلطة, كما يسمح بالاشراف القضائي علي الانتخابات ولكن الأهم من ذلك في ظني هو مراجعة شاملة للدستور المصري في مرحلة لاحقة قد تنقلنا من النظام الرئاسي المطعم ببعض سمات النظام البرلماني إلي نظام برلماني كامل يوجد فيه رئيس يملك ولا يحكم بحيث يصبح حكما بين السلطات ولديه وزارة مسئولة أمام البرلمان يعطيها الثقة أو ي+سحبها, وأنا شخصيا خدمت في دول ثلاث كدبلوماسي مصري وكانت المصادفة أن تلك الدول الثلاث( بريطانيا والهند والنمسا) تأخذ بدرجة عالية من خصائص النظام البرلماني وسماته الدستورية والسياسية, بل إن إسرائيل تأخذ بذلك النظام أيضا, ولقد كتبت في هذا الشأن عدة مرات في السنوات الأخيرة وقرأت تعليقا علي مشروع الأخذ بالنظام البرلماني في مصر للدكتور وحيد عبد المجيد بمقال تحت عنوان خرافة النظام البرلماني, لذلك فإنني أضيف بهذه المناسبة أننا لا نطلب ذلك في المدي القريب ولكننا نحلم به علي المدي الطويل لأن الدولة البرلمانية تمثل لمصر خروجا من إطار الفرعونية السياسية وحكم الفرد وتجعل من رئيس الوزراء مديرا لشئون البلاد والعباد قابلا للتغيير في أي لحظة, كما تفتح الباب أمام تداول السلطة ودوران النخبة وتحول دون تأليه حكم الفرد, إنني أتطلع إلي النموذج التركي ولا أمانع فيه بينما أخشي النموذج الإيراني ولا أتحمس له!
ثانيا: إن القول بأن النظام السياسي المصري يأخذ من النظام الفرنسي معظم ما فيه بحيث يبدو مزيجا بين النظامين الرئاسي والبرلماني هو قول مردود عليه ومازلت أتذكر من مناقشات تعديل الدستور عندما كنا نطالب بتغيير المادة77 لوضع حد أقصي لوجود رئيس الجمهورية في السلطة بفترتين فقط إن كان الرد أن النظام الفرنسي قد ترك المدد الرئاسية مفتوحة وللشعب حرية الاختيار, وفي ظني أن ذلك الرد كان كالحق الذي يراد به باطل لأن الشعب الفرنسي مختلف عن الشعب المصري في المستوي الثقافي والحرية السياسية والكفاية الاقتصادية فضلا عن رسوخ تقاليد الديمقراطية في فرنسا بلد الحريات والثورة بمبادئها في الإخاء والعدل والمساواة كما أن الدستور في النهاية هو ابن الظروف التي يصدر فيها والمجتمع الذي يعبر عنه.
ثالثا: إن رئيس الوزراء في النظام البرلماني حزبي له برنامج واضح وتوجهات محددة يختاره الشعب وفقا لما يراه, لذلك فإنه يعبر عن إرادة الأغلبية أو يكون عضوا في ائتلاف حاكم ويدرك أن تغييره وارد في أي وقت فلا يدعي الإلهام ولا يتصور نفسه حالة خاصة ويبدو وكأنه موظف لدي الجماهير وليس سيدا لها أو حاكما عليها.
رابعا: إنني أريد أن أقول صراحة ما كررته عشرات المرات من قبل وهو أنه رغم اختلافي مع جماعة الإخوان المسلمين مائة وثمانين درجة فكريا إلا أنني داعم لحقهم في التعبير عن الرأي مائة وثمانين درجة سياسيا, وأنا أظن أنهم قد ربحوا نوعا من الاعتراف الرسمي بعد مشاركتهم في انتفاضة25 يناير2011, فبعد أن كانوا الجماعة المحظورة أصبح يلتقيهم نائب الرئيس في القصر الجمهوري كجزء من الحوار الموسع مع القوي السياسية المختلفة, وما أكثر ما قلت مرارا, من أن لدينا وجودا سياسيا علي المسرح لرموز ليس لها رصيد في الشارع بينما هناك قوي سياسية علي الساحة ولكن دورها مهمش ووجودها في مواقع السلطة محدود, وأنا أريد أن يدرك الجميع أن الشارع الآن هو سيد الموقف, فالحركة الثورية الأخيرة في مصر قادها شباب الشارع ولم تقدها الأحزاب السياسية ولا حتي الجماعات الاحتجاجية, وليكن معلوما أن الشارع هو الذي يعطي ختم الصلاحية للتجمعات الجماهيرية بل والأحزاب السياسية أيضا.
خامسا: إنني مقتنع تماما أن الاصلاح منظومة متكاملة, وكثيرا ما حذرت من تزاوج السلطة والثروة عبر السنوات العشر الأخيرة مؤكدا أن المحصلة سوف تكون هي الفساد وكذلك عن تداخل الدين والسياسة حيث المحصلة هي التطرف, فإذا أردنا وطنا حديثا ودولة عصرية فإن علينا أن نؤمن باتخاذ جميع خطوات الاصلاح بلا تردد علي الأصعدة الدستورية والتشريعية والسياسية والاقتصادية بل والثقافية والاجتماعية حتي تشيع لدينا ثقافة الحرية والشعور بالتكافؤ والندية علي نحو يضرب الفساد ويدخل معركة حاسمة مع الفقر ويفتح طريقا للعدالة الاجتماعية المفقودة مع إعادة النظر في حقوق الفئات المهمشة من الشعب لأسباب تتصل بالدين أو الجنس أو الشرائح العمرية.
.. إننا باختصار. نتطلع إلي دولة تليق بقامة مصر وحضارتها, بتاريخها وثقافتها, بنيلها وشعبها, فهي بحق أم الدنيا المحروسة دائما.
جريدة الأهرام
23 فبراير 2011
http://www.ahram.org.eg/Archive/452/2011/2/23/10/64073.aspx