أحرص غالبًا على قراءة الصحف فى مساء اليوم السابق على تاريخ صدورها وألتهم صفحات الصحف المختلفة بقراءة سريعة للعناوين ثم أقوم بقراءة متأنية للتفاصيل فى صباح اليوم التالى الذى تحمل الصحيفة تاريخه، وألتهم غالبًا صفحات الوفيات والحوادث، فضلًا عما يتصل بالسياستين الخارجية والداخلية، وأتجاوز غالبًا صفحتى الرياضة لأن اهتمامى بها للأسف محدود رغم أننى أدرك أنهما أكثر صفحتين مقروءتين فى كل صحيفة، ولعلى أسجل هنا انطباعى عن تبويب الصحافة المصرية المعاصرة، وكيف أنها قد بلغت مرحلة الشيخوخة مثلها مثل معظم الصحف الورقية فى عالمنا المعاصر، حيث جاءت تكنولوجيا المعلومات بما نطلق عليه الصحافة الإلكترونية، ومع ذلك فإننى أؤكد هنا أن ملمس الورق ورائحة الأحبار هى جزء من تاريخ الأجيال ولذلك فإننى أظن أن الصحافة الورقية سوف تصمد رغم المنافسة الشرسة مع الصحافة الإلكترونية التى تشد إليها الأجيال الجديدة، ولعلى أسجل انطباعى عن صفحتى الوفيات والحوادث فيما يلى:
أولًا: صفحة الوفيات مازالت تستأثر باهتمام القراء لأنها تحمل أخبارًا هى بالقطع صحيحة وليست شائعات أو أنصاف حقائق، فالموت هو الحقيقة المطلقة الوحيدة فى هذه الدنيا، ويلفت نظرى حفاوة البعض بموتاهم وإضافة ألقاب الشرف إليهم، فضلًا عن نغمة التفاخر فى شكل الإعلان وحجمه وكأن الطبقية تكون فى الموت أيضًا وليس فى الحياة وحدها، وألاحظ أن نسبة نعى الأشقاء من الأقباط عالية بشكل ملحوظ حتى إن من يقرأ الصحيفة يظن أنهم هم الذين يموتون أكثر من غيرهم، بينما الواقع أنهم أشد حرصًا على تسجيل مآثر موتاهم وتوديع من (يتنيح) منهم، وغالبًا ما يقترن عمود العزاء لهم بصورة فوتوغرافية تجدد الأحزان وتحدد درجة حب كل أسرة قبطية لفقيدها الراحل وأظن ذلك امتدادا لتقاليد فرعونية أدت إلى بناء المقابر داخل الأهرامات، وحشدت للموت طقوسًا تمهد للحياة الثانية، ولكن اللافت للنظر أيضًا هو أن صفحة الوفيات تضم معلومات هائلة عن الألقاب والأنساب لعائلات مختلفة بما يعد كنزًا من المعلومات لمن يريد، حتى قيل إنه قد جرى الاستفادة بما فيها خلال المواجهات العسكرية مع خصوم الوطن.
ثانيًا: إن صفحة الحوادث هى مرآة المجتمع تتضح منها الصورة الحقيقية للمرحلة التى يمر بها، ولكن الملاحظ فى السنوات الأخيرة أن نوعية الجرائم قد ازدادت خطورة وأصبح معظمها يقع تحت تأثير المخدرات والأقراص الممنوعة قانونًا ولكن الذى يفزعنى هو الطبيعة العائلية للجرائم، أب يقتل أبناءه، وأم تخنق ابنها الرضيع، وشاب يفتك بأبيه، وهناك من يلقى بفلذات كبده فى مياه النهر، ومن تذبح زوجها وهو نائم فضلًا عن شيوع جرائم الشرف وتزايد معدلات الثأر التى تضيع فيها الأرواح لأتفه الأسباب، وإذا كانت الجريمة هى طفح جلدى على سطح الوطن فإنها فى الوقت ذاته ناقوس يدق منبهًا إلى المخاطر التى تستشرى وتستفحل حتى تصبح كالأمراض المتوطنة والأوبئة المزمنة التى لا علاج لها، ولا شك أن الأمر يحتاج إلى جهد كبير من أساتذة العلوم السلوكية، وخبراء الأمراض النفسية، فضلًا عن مكافحى الجريمة من بين رجال الأمن والقضاء الذين يدركون تفسير السلوك الإجرامى ويستطيعون مواجهته بالعقوبات الرادعة، ولا شك أن تردى مستوى التعليم والتغييرات العنيفة التى مر بها الوطن، فضلًا عن شيوع الإدمان وظهور التعاطى فى فئات صغيرة السن هى كلها فى مجملها من العوامل المؤدية إلى الحوادث التى نقرأ عنها والجرائم التى نسمع بها وتدور كلها حول قضايا الشرف، والصراع على الميراث، والخيانة الزوجية كما لا ننسى أبدًا أن الفقر قنبلة موقوتة تنفجر فى أى لحظة.
إن الحوادث والجرائم هما تعبير عن الحالة التى يصل إليها أى مجتمع كما أنهما مؤشران لنوعية المشكلات وطبيعة الأزمات ويعكسان معًا المحنة الأخلاقية التى تأتى نتيجة نقص التربية وغياب الرقابة الأسرية وتدنى المستويات المعيشية، فضلًا عن أمراض الجهل والرغبة فى الثراء السريع وحصول البعض على ما ليس من حقه، فضلًا عن تهاوى القيم، واختفاء التقاليد، وغياب القدوة.
جريدة المصري اليوم
17 أكتوبر 2018
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1333872