أثناء زيارتى الأخيرة منذ أسابيع قليلة لمدينة «ليفربول» البريطانية حيث كنت مدعوًا لإلقاء محاضرة فى جامعتها فرأيت قبل سفرى أن أرتب لقاءً مع لاعب كرة القدم المصرى الدولى «محمد صلاح» الذى ملأ الدنيا وشغل الناس، وأجريت اتصالات مع القيادات الرياضية فى «مصر» وحصلت بالفعل على رقم هاتفه ورقم هاتف والده ووالدته لأن الحاج «صلاح» والحاجة «إكرام» يرافقان ابنهما فى المدينة التى يلعب لناديها، بل أكثر من ذلك فإن عمدة قريته بمحافظة الغربية عندما علم برغبتى فى لقائه اتصل بى هاتفيًا وقال لى: إنه سوف يبذل جهده من مصر للتواصل مع اللاعب العالمى ما دمت حريصًا على لقائه، وبالفعل خصصت وقتًا فى اليومين اللذين قضيتهما فى «ليفربول» لإجراء اتصالات معه ولكننى علمت أنه فى معسكر لا يبرحه وأنه مسافر بعد ذلك مباشرة إلى «لندن» لتصوير فيلم تسجيلى لـ«فودافون» ولكن اللاعب المحترم عندما علم أننى أسعى إليه بعث برسالة صوتية لرئيس المراسم والعلاقات الخارجية لمكتبة الإسكندرية د. «شريف رياض» الذى كنت قد كلفته بمشاركتى فى مطاردة ذلك النجم المعروف باستقامة الخلق وصدق الوطنية وحسن المعشر بعد رحلة طويلة كان فيها لاعبًا عصاميًا من الطراز الأول، وقد قال «محمد صلاح» فى رسالته إنه علم أن د. «مصطفى الفقى» يبحث عنه، وإذا كانت الظروف لم تتح له لقاءه فإنه سوف يسعى بنفسه إلى مكتبة الإسكندرية خلال الأسابيع القادمة للقاء مديرها والعاملين والعاملات فيها، وأريد أن أسجل هنا أن شهرة «محمد صلاح» فى «ليفربول» تفوق شهرته فى «القاهرة»، فقد كنت أركب القطار من «لندن» إلى تلك المدينة وسمعت الأحاديث المتبادلة بين الركاب الإنجليز وفيها إعجاب شديد وولع واضح باللاعب المصرى الذى أزعم أنه يقوم بما لا يمكن أن تقوم به سفارة أو مجموعة من المبعوثين الدبلوماسيين! من هنا تذكرت أهمية «دبلوماسية الرياضة» وكيف أن من شأنها أن تقرب المسافات بين الأمم أو تخلق الحساسيات بين الشعوب وأضرب لذلك بعض النماذج منها:
أولاً: إن مباراة تنس الطاولة الشهيرة التى لعبها الفريق الأمريكى فى «بكين» فى مطلع سبعينيات القرن الماضى كانت إشارة البدء لتحسين العلاقات بين «الولايات المتحدة الأمريكية» و«الصين» بعد قطيعة عدة عقود، فالروح الرياضية المشتركة تخلق جوًا وديًا وتدفع بطاقة إيجابية لدى كل الأطراف.
ثانيًا: إن ما جرى بين الشعبين الشقيقين المصرى والجزائرى منذ عدة سنوات بسبب مباراة كرة قدم فى «استاد الخرطوم» على نحو أحدث جفوة عابرة فى العلاقات القوية والوثيقة بين الدولتين الشقيقتين إلى أن زالت تلك الغشاوة وتغلبت الروح الرياضية على العصبية الوطنية.
ثالثًا: إن مباراة كرة القدم الأخيرة بين الفريق السعودى والفريق العراقى على أرض «العراق» مؤخرًا تعد إشارة إيجابية لتحسن العلاقات بين «الرياض» و«بغداد» وتسجل مؤشرًا لتحول ملحوظ فى هذا السياق.
خلاصة الأمر أن الرياضة تلعب دورًا يجعلنا نشير بحق إلى ما يسمى «دبلوماسية الرياضة» وهى مرآة للعلاقة بين الشعوب وتعبير مباشر عن روح الشعب ومزاجه العام لأنها من أكثر الأمور إثارة للاهتمام بصورة تمثل شاغلًا للسواد الأعظم من الناس، وأنا شخصيًا أكتب فى الصحف منذ منتصف ستينيات القرن الماضى وتأتينى أحيانًا ردود فعل لما أكتب إلا أن حوارًا حول الرياضة فى حياة الرؤساء نشرته صفحات الرياضة أدى إلى أن تنهمر علىّ المحادثات الهاتفية والتعليقات من كل اتجاه، إذ إن صفحات الرياضة على ما يبدو هى أكثر الصفحات المقروءة فى الصحافة المحلية والدولية، كما أننى عندما كنت مديرًا لمعهد الدراسات الدبلوماسية منذ قرابة ربع قرن دعوت صديقى الدكتور «حسن مصطفى»، رئيس الاتحاد الدولى لكرة اليد حاليًا، للقاء مع الملحقين الدبلوماسيين الجدد، وفوجئت بأن الخبر وتفاصيل الزيارة يحظيان بانتشار واسع فى الصحافة المصرية، وأنا على يقين بأن تأثير الرياضة فى تحريك المشاعر وتوجيه الرأى العام هو تأثير يصعب تجاهله أو الإقلال منه، ولا تزال أسماء تؤثر فى الناس حتى اليوم من أمثال «صالح سليم» و«حمادة إمام» و«محمود الخطيب» و«حسن شحاتة» و«أبوتريكة» إلا أن شخصية «محمد صلاح» هى ذات مذاق خاص وتأثير كبير على المصريين والعرب والأجانب لما يتمتع به من احترام وما يحظى به من تقدير.
تحية للنجم الدولى الكبير الذى لاتزال مكتبة الإسكندرية تنتظره زائرا لها ذات يوم رغم شواغله وأسفاره وعشرات الملايين من المعجبين بموهبته النادرة.
جريدة المصري اليوم
27 مارس 2018
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1275351