تربطنى به صلة تمتد لأكثر من ثلاثين عامًا، عندما كان مشرفًا على صفحة الرأى فى الأهرام، وكنت معتادًا الكتابة فيها بشكل غير منتظم، إلى أن تحولت كتاباتى إلى دورية بعد ذلك، و«صلاح منتصر» ابن «دمياط» عقلية متقدة وذهن يقظ وقلم سلس، ورغم أنه تلميذ مباشر للأستاذ «هيكل» إلا أنه أحيانًا أقرب إلى مدرسة «بهاء الدين» فى الكتابة، فهو الحقوقى الذى اهتم بقطاع البترول واقتصادياته وعقوده، وجعل له مساحة فى كتاباته ثم انتقل إلى كتابة العمود الذى برع فيه دائمًا بسبب قدرته على وضع أفكاره فى حيز محدود، وبالمناسبة فإن كتابة العمود- وقد جربتها لفترة- هى أصعب أنواع الكتابة على الإطلاق، لأنك تشبه الترزى الذى يُطلب منه تفصيل (حلة) بأمتار ثابتة من القماش، مهما تعددت المطالب أو تنوعت الأذواق، كما أن كاتب العمود يواجه فوهة الفك المفترس الذى لا يشبع ولا يهدأ، فكل يوم موضوع، وكل يوم فكرة، وكل يوم نمط فى الكتابة، ولكن صاحبنا كان دائمًا منتصراً!.
وأنا أزعم أن حجم قرائه يتفوق على كثير من أقرانه عبر السنين، لأن لغته سهلة، ولأنه يصل إلى الفكرة مباشرة، ولا يتحذلق باللفظ، ولا يعيد ويزيد للفكرة الواحدة فى المقال الواحد، وقد يختلف معه البعض فى تقييم زعامات «مصر»، فهو ناقد شديد للتجربة الناصرية، رغم أنه كان قريبًا من عرابها الأول الكاتب الراحل «محمد حسنين هيكل»، ولكن «صلاح منتصر» أقرب إلى الاتجاه الآخر، كما أنه من دعاة السلام العادل مع «إسرائيل»، ومن أولئك الذين يتفهمون المعنى الصحيح للتطبيع فى المنطقة، أضف إلى ذلك اهتمامه الشديد بالتفاصيل الدقيقة والملاحظات المتفردة فهو يقرأ فى الحدث ربما ما لم يقرأه غيره ويدلف إليه من زاوية ربما لم يطرقها سواه، فهو فى ظنى كاتب متفرد، له مكانته فى الصحافة العربية وله قيمته فى الصحافة المصرية، وقد عرفته عن قرب وأعجبنى فيه روحه المرحة ومزاجه الساخر وقدرته على التقاط المواقف المهمة من ركام الأحداث الكثيرة، وعندما بلغنى نبأ وصول جائزة أفضل عمود فى الصحافة العربية لـ«صلاح منتصر» فى «منتدى دبى» السنوى، أدركت أنها ذهبت لصاحبها المستحق، ورغم أننى علمت منه أنها ليس لها عائد مادى، فالكاتب الكبير دمياطى يعرف قيمة العملة، إلا أنه يدرك كما يدرك الجميع أن قيمتها الأدبية أكبر من أى قيمة أخرى، فهى تعنى ببساطة أن عمود «صلاح منتصر» يتصدر أعمدة الصحافة العربية، ومازلنا نطالع فى نهم عموده فى الصفحة الأخيرة من الأهرام، حيث كنت أشفق على من يكتب فى مساحة الراحل- المقروء جدًا- «أنيس منصور» ولكن «صلاح منتصر» شغل المكان باقتدار، وكما خلف من قبل «أنيس منصور» فى رئاسة تحرير «مجلة أكتوبر» وارتفع بها، فإنه قد مضى بنفس الطريقة عندما خلفه فى عموده اليومى، وتبدو هناك قيمة أخرى للأستاذ «منتصر»، وهى أنه مؤرخ يقظ، ومحلل أمين للأحداث عندما يكتب عن فترة ما قبل ثورة يوليو 1952 أو يؤرخ لبعض فتراتها أو يتصدى لأحداث ما بعد 25 يناير 2011 فهو متابع جيد وراصد متميز للوقائع والظواهر المرتبطة بها، وعندما دعانى الكاتب الصحفى الأستاذ «صبرى غنيم» لتولى رئاسة مجلس إدارة «المركز الإعلامى العربي» بقرار من مجلس إدارته خلفًا للأستاذ «صلاح منتصر»، الذى طلب التفرغ لتأريخ أحداث ثورة 25 يناير وتحليل ما جرى فيها، قبلت ذلك الموقع الذى أشغله منذ أكثر من ست سنوات خلفًا له بعد أن شغله لمدة تقترب من ذلك، وهو المركز الذى أسسه فارس الصحافة المصرية الراحل «سعيد سنبل»، ولقد وجدت أن الأستاذ «صلاح منتصر» قد ترك فى المركز ومن يعملون فيه أثرًا طيبًا بسبب عمق نظرته ودماثة خلقه وبساطته.
إننى أحيى صديقى العزيز الفارس النبيل الذى ظل يدعو الله ذات يوم ألا يفوز بمنصب نقيب الصحفيين، لأنه لمن لا يعرفه عازف عن الأضواء، لا يبحث عن جماهيرية ولكن يسعى فقط وراء الموضوعية.. تحية لـ«صلاح منتصر» فى يوم الاحتفال العربى باسمه كاتبًا صحفيًا، ومفكرًا سياسيًا، وابنًا بارًا لمدارس الصحافة المصرية.
جريدة المصري اليوم
10 أبريل 2018
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1280223