اشتهرت دولة التلاوة فى «مصر»، وانتشر قراء القرآن الكريم المصريون فى أنحاء الدنيا، وقد ورثت عن أبى الغرام الشديد بالاستماع إلى تلاوة القرآن الكريم، وتمييز الأصوات حتى اليوم من أمثال «محمد رفعت»، و«مصطفى إسماعيل»، و«عبدالباسط عبدالصمد»، و«الطبلاوى»، و«منصور الشامى الدمنهورى»، و«عبدالرحمن الدروى»، و«على حزين» و«طه الفشنى»، و«محمود على البنا»، و«عبدالعظيم زاهر»، و«محمد الصيفى»، و«عبدالفتاح الشعشاعى»، و«البهتيمى»، و«المنشاوى»، و«أبوالعينين شعيشع»، وصولًا إلى الجيل الجديد من د. «نعينع».. إلى قارئ آخر ألفت الأنظار إلى خصوصية صوته، فهو يحمل شجنًا حزينًا ويبدو تقليدًا للشيخ «محمد رفعت» وكأنه يستطيع أن يحرك الآية القرآنية وهى مستقرة فى مكانها، وهنا يبدو الإعجاز الحقيقى لتذوق آيات كتاب الله والاندماج فيه، وأعترف هنا بأننى أمضيت ست سنوات فى «لندن» معتمدًا على شرائط القرآن الكريم فى السيارة إلى جانب بعض أغانى «أم كلثوم» القديمة، خصوصًا «رباعيات الخيام» و«الأطلال» فضلًا عن «الكرنك» لـ«عبدالوهاب»، وأغنيته «الفن»، وبعض أغانى «عبدالحليم حافظ» الوطنية، ولكننى أعترف بأن الاستماع إلى القرآن الكريم كان ولايزال مصدر سعادة زائدة لى، بل إننى عندما أذهب إلى سرادق عزاء وأجد أن المقرئ له طريقة خاصة أو صوت شجى فإننى أواصل البقاء فى مقعدى مفتونًا وراضيًا، ولقد كان أبى يأخذنى معه للاستماع إلى القرآن الكريم فى سرادق يقام فى شهر رمضان أمام مبنى البلدية فى «مدينة دمنهور»، وقد استقدم أهل الخير فى عام 1956 مقرئًا ذائع الصيت من إحدى محافظات شرق الدلتا مازلت أتذكر اسمه وهو الشيخ «بدران السروى»، وكانت له طريقة الشيخ «مصطفى إسماعيل»، فافتتن به الناس وتعالت صيحاتهم إعجابًا وطربًا، وأنا حاليًا أضع سيديهات الشيخ «مصطفى إسماعيل» فى جهاز تسجيل السيارة وأستمع إليه فى سور «القصص»، و«مريم»، و«يوسف» وغيرها من تحف كتاب الله سبحانه وتعالى، ولقد أهدانى د. «كمال الجنزورى»- رئيس وزراء مصر الأسبق مرتين قبل ثورة 25 يناير وبعدها- شريطًا رائعًا لعميد الأدب العربى د. «طه حسين» يتحدث فيه عن عمر بن الخطاب ضمن «أحاديث الأربعاء» التى كان يلقيها فى (قاعة إيوارت) بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وأتحدى من يستمع إليه دون أن تتلبسه حالة نفسية خاصة نتيجة اللغة الراقية لموسيقار الكلمة الدكتور العميد، فضلًا عن المعانى الرصينة والمرادفات الثرية والعبارات المؤثرة، إلى جانب صوت عميد الأدب العربى الذى يتميز بالخشوع الحقيقى والإيمان الصادق، ولذلك فإننى أدهش لأولئك الذين حاربوه ولعنوه وهم من علماء الأزهر الشريف.
إن جيش مصر من قراء القرآن الكريم المنتشرين فى أنحاء المعمورة خصوصًا فى شهر رمضان إنما هم أئمة التلاوة ورسل الذكر الحكيم. ولقد استقبلت فى مدينة «نيودلهى» قارئين كبيرين هما الشيخ «عبدالباسط عبدالصمد» والشيخ «محمود الطبلاوى»، ورأيت كيف كان المسلمون الهنود يصرخون بلا وعى عند الاستماع إلى قارئى السورة القادمين من بلد الأزهر الشريف، ومازلت أتردد بين حين وآخر على منزل الدكتور مهندس «عاطف مصطفى إسماعيل» بحى الزمالك لأتزود بنفحات مباركة من الصوت الذى لن يتكرر لأبيه الراحل، والذى استثناه الرئيس السادات بقرار منه سمح فيه أن يكون قبره فى منزله، وذلك قرار غير مسبوق تكريمًا له ولقريته «ميت غزال»، والمعروف أنه كان المقرئ الوحيد الذى اصطحبه الرئيس «السادات» فى رحلته الشهيرة للقدس عام 1977، وقرأ قرآن الجمعة فى المسجد الأقصى، وأريد أن يتذكر الجميع أن بنات الشيخ «مصطفى إسماعيل» لم يكُنّ محجبات فى شبابهن مثلما هو الأمر لبنات الشيخ «الباقورى»، فالعفة فى العقل والرداء مظهر وليس دليلًا على الجوهر، وألفت النظر هنا أيضًا إلى أن لى أصدقاء من الأقباط المصريين يستهويهم كثيرًا صوت الشيخ «محمد رفعت»، ذلك المقرئ العظيم فاقد البصر غنى البصيرة، خصوصًا وهو يتلو سورة «مريم» التى كرمها القرآن واصطفاها على نساء العالمين، لذلك فإن استماعى إلى القرآن الكريم يفتح أمامى مساحة واسعة من التسامح والمحبة تتسع لكل أبناء وطنى مسلمين ومسيحيين على السواء، بل قد تتسع أرحب من ذلك لتحتوى الإنسان فى كل زمان ومكان.
جريدة المصري اليوم
30 مايو 2018
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1296073