الدعوة إلى القمة الثقافية العربية
بدأت القصة الحقيقية والكاملة لهذه المبادرة القومية فى اجتماع لمؤسسة الفكر العربى فى بيروت برئاسة صاحب السمو الملكى الأمير خالد الفيصل وحضور وزير ثقافة لبنان حينذاك الأستاذ تمام سلام، إذ إنه بعد قليل من بداية الجلسة التى كانت معنية بالثقافة والتعليم فتح باب الحوار فرفعت يدى طالبًا الكلمة وكان ذلك عام 2008 على ما أذكر وقلت يومها إن جزءًا كبيرًا من مشكلاتنا على المستوى القومى يأتى من الأبعاد الثقافية لحياتنا المعاصرة خصوصًا أننا نعيش فى عالم كل أطروحاته ذات طابع ثقافي، وأضفت أننا إذا كنا قد عقدنا قمة اقتصادية عربية فإن الأولى بنا أن نعقد قمة ثقافية عربية ترأب الصدع وتجمع الكلمة حول مفهوم شامل لمعنى المواطنة فى ظل منطق العروبة خلال السنوات الأخيرة، وأردفت قائلًا: إن العامل الثقافى قد أصبحت له أهمية بارزة فى العلاقات الدولية المعاصرة وأضفت أن الأطروحات الكبرى التى صدرها الغرب لنا ولغيرنا وهى العولمة وصراع الحضارات والحرب على الإرهاب هى فى مجملها أطروحات ثقافية بالدرجة الأولي، وحيث يطغى العامل الثقافى فى تكوين الشخصية العربية وتحديد إطارها القومى فإن العناية به والرعاية له والاهتمام بمقوماته التاريخية وآفاقه فى المستقبل ووضع اللغة العربية بثرائها وفرادتها فى مكانها اللائق بين اللغات المعاصرة أقول إن كل ذلك يؤثر إيجابيا على أوضاعنا السياسية والاقتصادية ويضع الأمة فى مكانها الصحيح، وقد لقيت دعوتى قبولًا شديدًا من الحاضرين واستقبلها الأمير رئيس مؤسسة الفكر العربى والوزير المسئول عن الثقافة فى لبنان استقبالًا حسنًا ومنذ ذلك الوقت شرعت أبشر بالدعوة إلى قمة ثقافية عربية ولحسن الحظ أنه جرى توارد أفكار بين ما قلناه وبين اتحاد الكتاب العرب الذى كان يرأسه المثقف المصرى الكبير محمد سلماوى وقد أشاروا فى اجتماع لهم كان فى ليبيا على ما أتذكر إلى ذات الموضوع مما أعطاه زخمًا وفاعلية، وعندما وصل الأمر إلى مسامع السيد عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية حينذاك بادر بالدعوة إلى عقد اجتماع موسع بمقر الجامعة حضره الأمير خالد الفيصل وعدد كبير من المثقفين والمفكرين والأدباء أتذكر منهم اليوم الراحل الكبير سيد ياسين بالإضافة إلى كوكبة من المعنيين بالشأن القومي، وانتهينا إلى ضرورة رفع الأمر إلى أول قمة عربية قادمة، حيث تبنى البرلمان العربى الموحد - والذى كنت نائبًا لرئيسه فى تلك الفترة - الدعوة إلى هذه القمة وهو أمر وجد صداه فى قمة (سرت) فكانت البداية الرسمية على أعلى مستوى عربى بحيث جاءت على جدول أعماله وتضمنتها مقرراته، ثم جاءت أحداث الربيع العربى بما لها وما عليها فتبدلت الأمور وتغيرت الأحوال واختلفت منظومة الأولويات على الساحة العربية، وعندما جاء الدكتور نبيل العربى أمينًا عامًا لجامعة الدول العربية دعانى إلى مكتبه بحضور السيدة المسئولة عن النشاط الثقافى العربى فى أمانة الجامعة وناقش الموضوع معى فى حضورها وكان له وجهة نظر واضحة وهى أنه يمكن مناقشة هذا الأمر فى قمة عربية قادمة دون أن نفرد له قمة مستقلة لأنها تقتضى منا جهدًا ووقتًا ونفقات قد تعطل انعقادها، ونام المشروع بين أضابير الجامعة وفى زحام الهموم العربية المتواصلة إلى أن أحيته قمة (الظهران) عام 2018 ليتجدد الحديث حول ذات الموضوع ويتناوله بعض الكتاب فى الصحافة وأذكر بهذه المناسبة أن صديقى وزميل دراستى الدكتور أحمد يوسف الذى يحظى باحترام كبير فى الأوساط الأكاديمية والثقافية فى العالم العربى قد أرسل لى بعد (قمة الظهران) دراسة موجزة يقترح فيها أن تتبنى مكتبة الإسكندرية السعى فى ميدان الثقافة العربية وتدعو لاقتراح بعقد القمة على اعتبار أن المكتبة هى أكبر مؤسسة ثقافية عربية، كما أن مكانتها الدولية وتاريخها الذى يبدأ منذ أكثر من ألفى عام يجعل منها موقعًا ملائمًا للسعى مع جامعة الدول العربية لدعم ما أصدرته (قمة الظهران) والتثمين على ما طرحته (قمة سرت) والبناء على الخطواط النظرية التى تمت فى هذا السياق ومن جانبى فكرت فى الدعوة إلى اجتماع عربى بين بعض المتخصصين فى قضايا الثقافة والمعنيين بالشأن العربى لعلنا نخرج بطرح عملى يجعل القمة الثقافية ذات طابع مختلف لا تؤثر فيه السياسة ولا يقوده بالضرورة الحكام فقادة الرأى فى الوطن العربى أولى بمثل هذه الدعوة والمضى فيها شريطة أن تدعمها إرادة سياسية من أصحاب القرار العربى لعلنا نفلح مرة فى أن نجمع الأمة على كلمة سواء بعيدًا عن الأهواء السياسية والتدخلات الأجنبية، وها هى الدعوة مفتوحة تستقبل بحفاوة كل جهد إيجابى لدعمها والبناء عليها دون أغراض ذاتية أو أهداف قطرية فالغاية الوحيدة هى أن يدرك العرب حجم الثروة الثقافية التى يمتلكونها والعمل على توظيفها من أجل مستقبل عربى أفضل.
هذه هى الرواية الكاملة لمسألة القمة الثقافية العربية والتى كتبت بشأنها الدكتورة نيفين مسعد وهى أستاذة مرموقة للعلوم السياسية وكانت مديرة لمعهد الدراسات العربية بعد أن ترك ذلك المنصب أستاذها وزميلها الدكتور أحمد يوسف فى مقال بصحيفة الأهرام، ولعل كل تذكرة بهذا الموضوع وكل دعوة فى هذا الشأن هى دعم إيجابى لأمر حيوى يجب أن نعطيه قدره وإلا طواه النسيان فى زحام الأحداث.
جريدة الأهرام
http://www.ahram.org.eg/NewsQ/676574.aspx