محاولات إنقاص الوزن
كلما نظرتُ إلى صورة حفل زفافى منذ ما يقرب من خمسين عامًا أشعر بأننى قد أصبحتُ شخصًا آخر، فقد كنتُ نحيلاً وسيمًا يملأ الشَّعر الأسود رأسه، فإذا الأمر قد اختلف الآن، فلقد زاد الوزن إلى الضِّعف تقريبًا، وطار شعر الرَّأس واشتعل ما بقى منه شيبًا، كما أننى أصبحتُ من أصحاب (الكروش)، وكلها دلالات على مرور السنين وتقدُّم العمر، وما من مرة ذهبتُ فيها عبر السَّنوات الأخيرة لإجراء فحص طبى شامل -داخل البلاد أو خارجها- إلا وكانت النَّصيحة دائمًا بضرورة إنقاص الوزن؛ ففى ذلك نفع عام للجسم وتخفيف للتَّحميل على الظَّهر والرُّكبتين، ولكن الأمر يبدو صعبًا، إذ إن فقدان كيلوجرام واحد أصبح الآن مثل عمليَّة حربيَّة مُعقدة، فعندما كُنَّا شبابًا كان الواحد مِنَّا يستطيع إنقاص وزنه بمعدل سريع للغاية، أمَّا اليوم فالمسألة تحتاج إلى جهد كبير وعناء شديد، ولقد دعانى صديق منذ خمسة عشر عامًا لكى أكون ضيفًا عليه فى إحدى المَصَحَّات الألمانيَّة الشَّهيرة، وهى مَصَحَّة (بوخنجر)، وذهبتُ مُمنيًا النَّفس بأن أعود من تلك المهمة نحيلاً ومُعافى صحيًّا ومتخلصًا من كل المشكلات التى أعانى منها، وعندما جرى تخييرنا بين أنواع الريجيم اخترتُ أشدها وطأة وأقساها على الجسد؛ أملاً فى الإنقاص السريع والخروج من تلك المَصَحَّة الفاخرة بنتائج إيجابية محققة، ولقد كان الريجيم الذى اخترته هو (الصفرى) فامتنعتُ عن الطعام والشراب عشرة أيام إلا من شوربة خفيفة لبعض الخضراوات وربما بعض الحشائش أيضًا! مع شرب كميات كبيرة من المياه، وفى الوقت نفسه كانت تجرى عملية تطهير للمعدة كل يومين للتخلص من السموم والدهون والزوائد التى لا مبرر لها، وكنت سعيدًا كل يوم وأنا أرى فى الميزان نقصًا يصل إلى كيلوجرام على الأقل وبنهاية فترة الأسبوعين كنت قد فقدت ثلاثة عشر كيلوجرامًا بالتمام والكمال، وشعرتُ بأننى شخص آخر فاتسعت علىَّ ملابسى الضَّيقة، وأصبحتُ أمشى على الأرض ملكًا يختال برشاقة وسعادة، وما هو إلا أسبوع بعد عودتى إلى القاهرة إلا وبدأت ألاحظ تدهورًا واضحًا فىصحتى، وتوترًا شديدًا فى نفسيتى، وعصبية زائدة فى تصرفاتى، ولاحظ كل مَنْ حولى ذلك، وأفتى كبار الأطباء أن الريجيم القاسى قد جرَّف معه المعادن الأساسية التى تغذى الجسم بدءًا من المخ وصولاً إلى الأطراف، وأن إسرافى فى الحرمان من الكربوهيدرات والسكريات ونقص البروتين قد أدى إلى ما وصلتُ إليه، وازداد قلقى على نفسى واضطرابى ممَّا أعانيه، واكتشفتُ أن الريجيم الذى كنت أتصور أنه نعمة للإنقاذ قد أصبح نقمة للتدمير! وتهتُ فى عيادات أطباء الصحة الجسدية والنفسية وأساتذة الأمراض العصبية الذين وضعونى على برنامج علاجى بمضادات الاكتئاب، وهى أدوية ثقيلة الوطأة وتؤدى إلى الشراهة فى الطعام وزيادة الوزن، ودفعتُ ثمنًا غاليًا فى تجربة جادة وصعبة لإنقاص الوزن، وتعلمتُ من يومها أن مَنْ يريد أن ينقص وزنه فإن عليه أن يسلك طريقًا تدريجيًّا طويل المدى، وأن تكون لديه إرادة قوية لا تضعف ولا تتراجع، ولذلك فإننى أسوق المُلاحظات الآتية:
أولاً: استجابة لنصيحة صديقى جراح القلب العالمى د.مجدى يعقوب، الذى يقول لى دائمًا: «حاول أن تخفض كمية ما تأكله إلى النصف من كل ما يأتى أمامك، ففى هذه الحالة لن تحرم نفسك من فيتامينات معينة أو معادن محددة، بل سيؤدى الأمر إلى إنقاص الوزن تدريجيًّا دون قلق أو معاناة أو مظاهر مرضية».
ثانيًا: يجب أن تكون الوجبة الأخيرة لكلٍّ مِنَّا مُنتهية فى السادسة مساء، ونكتفى فى الوقت الباقى قبل النوم بالسوائل وفى مقدمتها المياه الطَّبيعيَّة، على أن نحاول الإقلال من النشويات بوجه خاص، كما أن الإفراط فى السكريات لا يساعد إطلاقًا فى إنقاص الوزن.
ثالثًا: إن ممارسة بعض الرياضات الخفيفة والمشى لعدد من الكيلومترات فى الأسبوع الواحد سوف تؤدى هى الأخرى إلى تحسن واضح فى الدورة الدموية وتراجع ملحوظ فى الوزن، مع التحذير من تعاطى أى أدوية تساعد فى التخسيس أو تؤدى إليه، ومازلتُ أتذكَّر سكرتيرة السفارة المصرية فى لندن -زميلتى الراحلة- التى فقدت حياتها نتيجة تعاطى جرعات منتظمة من دواء تخسيس شاع صيته وقتها، وكان ذلك فى مطلع سبعينات القرن الماضى.
هذه رحلتى مع إنقاص الوزن، وأرجو أن يعذرنى القارئ لأننى مازلتُ بدينًا يعانى من ترهُّل الكرش مع تقادم العمر ومرور الأعوام، ولنردد المثل الصِّينى القائل «تناول إفطارك، واقتسم غداءك مع صديقك، وأعط عشاءك لعدوك».
مجلة 7 أيام
https://www.7-ayam.com/%d9%85%d8%ad%d8%a7%d9%88%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d8%a5%d9%86%d9%82%d8%a7%d8%b5-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b2%d9%86/