«جابر عثرات الكرام» عبارة قالتها العرب للتدليل على شهامة المرء واستعداده لمساعدة الغير، لذلك كلما سمعت اسم «جابر» قفزت إلى ذهنى تلك المعانى النبيلة، إن «جابر عصفور» مثقف عربى رفيع الشأن ينتمى إلى جيل الستينيات من القرن الماضى، خصوصاً أننا نشترك فى سنة الميلاد ونزحف معاً نحو السبعين،
وتبدو القيمة الحقيقية لـ«جابر عصفور» من إلمامه المزدوج بعناصر «الحضارة العربية الإسلامية» فى جانب و«الحضارة الغربية المسيحية» فى جانب آخر، خصوصاً أن الرجل هو تلميذ مباشر للأستاذة الأديبة «سهير القلماوى» وتلميذ غير مباشر لعميد الأدب العربى الدكتور «طه حسين» الذى التقى ذلك الطالب النابغ فى قسم اللغة العربية فى «كلية الآداب» وتوقع له مستقبلاً مشرقاً وهو ما حدث، ولم يقف الدكتور «جابر عصفور» عند حدود ثقافته العربية الرفيعة فكراً وأدباً وشعراً، لكنه ضرب بسهمٍ وافر فى إجادة اللغة الإنجليزية، وعمل أستاذاً زائراً فى عدد من الجامعات المرموقة «بالولايات المتحدة الأمريكية»، كما عكف دائماً على مواصلة مسيرة الأدب والنقد فى الصحف والدوريات العربية والأجنبية فأصبح ذائع الصيت واسع الشهرة، خصوصاً فى العواصم العربية المختلفة، بل إننى سمعت من بعض الشعراء والأدباء العرب الكبار أن «جابر عصفور» هو الذى أعاد صلة «مصر» بشقيقاتها العربيات بعد سنوات قطيعة «كامب ديفيد»، واستعاد قوة الزخم المصرى فى الأدب والشعر والنقد بل والرواية أيضاً، ومد جسوراً قوية بين «المجلس الأعلى للثقافة» فى «مصر» ـ والذى تولاه لسنوات طويلة ـ والمؤسسات الثقافية العربية والأجنبية فى تعاون وثيق وارتباطٍ قوى أدى إلى ظهور الوجه الحقيقى للثقافة المصرية مشرقة متوهجة من جديد،
ولقد ظل «جابر عصفور» محافظاً على مبادئه وأفكاره بولاءٍ لليسار الوطنى، وانتماءٍ للعصر الناصرى، واحترامٍ لقضايا حقوق الإنسان وفى مقدمتها قضية «العدالة الاجتماعية»، وعندما أراد النظام الأسبق أن يجمل وجهه فى اللحظات الأخيرة قبل الرحيل اختار «جابر عصفور» وزيراً للثقافة بعد «ثورة 25 يناير 2011» ولكن الرجل لم يتعايش مع تلك المرحلة المريبة التى كانت امتداداً لبعض أخطاء الماضى، فاستقال بعد أيام قليلة من تعيينه مؤثراً وطنيته وكرامته ومكانته على المنصب الكبير وبريقه اللامع، وظل الرجل قابضاً على ما يؤمن به وما يعتقد فيه، يمخر عباب الثقافة الإنسانية فى جسارة وقوة مدافعاً عن المبادئ الليبرالية والفكر التقدمى منتصراً لقضايا إنسان العصر،
ومازلت أتذكر أنه قد اتخذ مواقف حدية شريفة فى مواجهة أزمات مر بها بعض كبار المثقفين أذكر منها ما تعرض له الشاعر الكبير «أحمد عبدالمعطى حجازى» عندما كان الحجز على أثاث بيته وارداً تنفيذاً لحكم قضائى فى قضية «حسبة» لا تستند إلى أساس دينى أو فكرى أو أخلاقى، وقد كتب وقتها «جابر عصفور» مقالاً ضافياً وضع فيه النقاط على الحروف وانتصر لقضية الحرية لأهميتها قبل أن ينتصر لأشخاصٍ بعينهم، ولقد ربطتنى بالدكتور «جابر عصفور» صلات وثيقة ومحبة متبادلة ورأيته فى أسعد لحظات حياته وزرته فى أقسى لحظات عمره أيضاً، وشعرت أنه دائماً هو «جابر عصفور» المفكر الأديب، المثقف الموسوعى الذى يحمل كبرياءه على كتفيه ويضع هموم الوطن فى قلبه ويتعامل مع الناس فى ذكاء وشفافية وندية، إننا إزاء مثقف رفيع الشأن، عالى القدر هو الصديق العزيز «د.جابر عصفور» ابن «المحلة الكبرى» وتلميذ الجيل العظيم فى تاريخ الأدب العربى المعاصر.
جريدة المصري اليوم
28 مايو 2014
https://www.almasryalyoum.com/news/details/454882