كاتب صحفى من طراز خاص، قد لا يكون قد عمل مباشرة مع الراحل «أحمد بهاء الدين» إلا أنه يشترك معه فى دقة الكتابة بلغة علمية غير فضفاضة وبعبارات لا تحتمل إلا ما جاءت به، له رؤية سياسية متميزة، فرغم أنه لا يتحمس للعصر «الناصرى» إلا أنه لا يتحامل عليه، ينتمى أكثر لعصر «السادات» ومدرسته فى الانفتاح السياسى دولياً والانفتاح الاقتصادى محلياً، اهتم لفترة من حياته بقطاع «البترول» وعقوده وعوائده، فهو حقوقىّ الدراسة قانونىّ الثقافة، جاء من بيت طيب فى محافظة «دمياط»، فخاله هو الإمام «حسن مأمون»، مفتى مصر، ثم شيخ الأزهر بعد ذلك، الذى ترك موقعه لخلاف فى الرؤية مع عصر الرئيس الراحل «عبدالناصر» حول مفهوم العلاقة بين «الإسلام» و«الاشتراكية».
وهو أيضاً قريب مباشر للأستاذ «الغزاوى» الذى كان رائداً للتعليم المصرى فى دولة «البحرين»، ورئيساً للبعثة التعليمية هناك. لقد عرف «صلاح منتصر» فى حياته أنماطاً من المعاناة، وكان وفياً لقرينته فى الشدة والمرض، وظل عموده اليومى فى الصحافة المصرية يتمتع بشعبية واسعة بين القراء لأنه يتطرق إلى موضوعاتٍ محددة ولا يكتب لغة إنشائية فقط لملء مساحة يومية لابد منها، ولقد عرفته مباشرة فى منتصف سبعينيات القرن الماضى ثم اقتربت منه أكثر فى الثمانينيات بحكم إشرافه على «صفحة الرأى» فى «الأهرام»، حيث بدأت فى تلك الفترة الكتابة المنتظمة فى تلك الصحيفة العريقة، ولقد حظى الرجل دائماً باحترام زملائه وقرائه فى وقت واحد، وعندما أرادت الدولة ترشيحه نقيباً للصحفيين لم يكن متحمساً على الإطلاق لذلك.
بل لقد صلَّى لله شاكراً عندما ابتعد عنه ذلك المنصب. و«صلاح منتصر» يملك من سعة الأفق وشمول الرؤية ما يجعله مرتبطاً بالأستاذ «هيكل» كمدرسة وتاريخ وحضور صحفى رغم أنه ـ كما قلت فى البداية ـ لا يميل كثيراً إلى ممارسات «العصر الناصرى» الذى سطع فيه نجم الأستاذ «هيكل»، ذلك أن «صلاح منتصر» لديه عشرات التحفظات على سياسة «عبدالناصر» الداخلية والخارجية، وهنا أسجل اختلافى أحياناً مع ذلك الأستاذ الكبير فيما يراه، خصوصاً أنه يتمتع بحدٍّ أدنى من الموضوعية يجعل لما يقول مبنىً ومعنى. ولقد كان الأستاذ «صلاح منتصر» هو الرجل الثالث فى «الأهرام»، ثم أصبح الرجل الثانى فيه، وظن عارفوه ومحبوه أنه يقترب من موقع رئاسة مجلس إدارة تلك المؤسسة الكبيرة، ولكن الظروف وقتها لم تمكِّنه لا هو ولا الأستاذ الكبير «مكرم محمد أحمد» من اقتحام ذلك المنصب.
وعُيِّن الأستاذ «صلاح منتصر» رئيساً لمجلس إدارة «دار المعارف»، ورئيساً لتحرير «مجلة أكتوبر» خلفاً للكاتب الموسوعى الراحل «أنيس منصور». ولقد ظل الأستاذ «صلاح منتصر» قابضاً على آرائه، ملتزماً بأفكاره على مر السنين، ويجب أن أسجل هنا أنه لا تزال لدى ذلك الكاتب الكبير حاسة المخبر الصحفى، فهو لا يجلس فى ندوة عامة أو لقاء سياسى أو منتدى فكرى إلا وهو يسجل فى مفكرته الشخصية الأخبار والمعلومات والانطباعات، ولعل الأجيال الجديدة فى عالم الصحافة تدرك أهمية أن يظل المرء وفياً لما بدأ به، مقتنعاً بحق الآخرين فى التعبير عن وجهة نظرهم التى قد تتعارض مع مبادئهم وعقائدهم. إن الأستاذ «صلاح منتصر» شخصية اجتماعية ثرية، وحكَّاء مرموق، وإنسان منفتح على العصر وأدواته، عاشقٌ للوطن والتزاماته.. أطال الله فى عمره.
جريدة المصري اليوم
8 يناير 2014
https://www.almasryalyoum.com/news/details/372702