كنت أتحرج من الكتابة عنه فى صحيفته فهو ناشر «المصرى اليوم» ولكن عندما تعرض لوعكة صحية طارئة ورأى أن يجرى له الجراح المصرى العالمى «سير مجدى يعقوب» جراحة قلب مفتوح فى مركزه «بأسوان» تأكد لى أكثر من أى وقت مضى القيمة غير العادية لـ«صلاح دياب» فقد كان يستطيع إجراء هذه الجراحة الكبيرة فى أى مكان فى العالم، لكنه آثر إجراءها على أرض مصرية وبجراح من أصل مصرى، وتربطنى بـ «بصلاح دياب» علاقة تمتد لعدة عقود، حيث شدنى إليه أنه شخصية غير نمطية فهو مختلف عن سواه من رجال الأعمال وغيرهم من أبناء جيله، إنه عصامى حتى النخاع، وذكى بغير حدود، ومفكر خارج الصندوق دائماً، ومغرد خارج السرب أحياناً على الرغم من انتمائه لعائلة عريقة، فجده هو «توفيق دياب» الكاتب الصحفى صاحب «الجهاد» والذى كان ملء السمع والبصر فى عصره سياسياً وصحفياً وناطقاً باسم أمير الشعراء وشخصية قوية فى زمانه لذلك ليس غريباً أن يحمل ابن «صلاح دياب» اسم جده الأكبر «توفيق» وهو فى ظنى نموذج مشرف لشباب هذه الأيام. نعود إلى «صلاح دياب» ذلك الصديق الذى لا يوافق على أى شىء لا يرضى عنه لأنه يتمتع باستقلالية فى الرأى ووضوح فى الرؤية مع قدرة على تجسيد الحلم مهما كان بعيداً، وقد بدأ سلسلة محال «لابوار» من الصفر، حيث كان عليه أن يدبر فى مطلع سبعينيات القرن الماضى ـ حيث تخرج فى كلية الهندسة فى أواخر الستينيات ـ مبلغ مائتى جنيه يحجز بها مقر فرعه الأول فى «جاردن سيتى» ويومها أمهله رئيس «لجنة البت» حتى يستكمل المطلوب عندما عرف أنه حفيد «توفيق دياب»، ولقد شق الرجل طريقه بنجاح وأعانته فى ذلك قدرته على المثابرة ودأبه فى العمل مع عقلية ابتكارية قادرة على ارتياد المستقبل حتى وصف البعض بركة يديه بأنها «تحيل التراب إلى ذهب»، وعندما فكر «صلاح دياب» فى إصدار صحيفة جديدة مستقلة كان يتصل بى أحياناً ويحدثنى عن تطورات فكرته، حيث كنت وقتها سفيراً لمصر فى «فيينا» واقترحت عليه أن يسميها «الجهاد الجديد» تيمناً باسم صحيفة جده، لكنه قال ـ ومعه حق ـ إن الكلمة قد اكتسبت مضموناً جديداً فى العقود الأخيرة قد يوحى بشىء مختلف عما كانت عليه، وقال لى ذات يوم إن الأستاذ «طارق نور» رائد الإعلان فى «مصر» وصديقنا المشترك قد اقترح عليه اسم «الجورنال»،
ولكن «صلاح دياب» كان يفكر وحده ويقلب الأمر من جوانبه المختلفة حتى وصل إلى اسم «المصرى اليوم» الذى أصبح فتحاً جديداً فى الصحافة المصرية وعكف هو على إدارته من بعيد دون تدخل فى سياسة النشر والتحرير واستطاع أن يتصدر بها مسيرة الصحافة العربية فى العقد الأخير، و«صلاح دياب» إنسان لا تنقصه الجرأة فقد كان ضيفى على الغداء ذات يوم ومعنا وزير أسبق كان فى السلطة وقتها فصافح «صلاح دياب» قائلاً أهلا «دياب» فى تعالٍ ملحوظ فرد «صلاح دياب» فى الحال منادياً عليه باسم جده هو الآخر! إن الذى أكتب عنه اليوم هو شخصية استثنائية بمعايير كثيرة، حيث تلتقى لديه صفات متناقضة أحياناً فهو كريم وحريص، وهو محدث وحذر، وهو طاقة هائلة على التجديد مع روح تشده إلى الماضى المزدهر فى تاريخ مصر الحديثة، كما أنه والسيدة قرينته يتمتعان بذوق رفيع فى منزلهما فضلاً عن أسرة متماسكة يقودها أب متوازن يعمل أكثر مما يتكلم ويضيف إلى وطنه كل يوم جديداً.
.. شفاه الله ليعود بيننا عقلاً متوهجاً وذهناً متقداً وروحاً عالية تتسم بالحيوية والعصامية والابتكار.
جريدة المصري اليوم
13 نوفمبر 2013
https://www.almasryalyoum.com/news/details/343284