هو ذلك الناقد الأدبى الكبير والأستاذ الجامعى المتميز الذى أطل على أدوات البحث فى الثقافتين العربية الإسلامية والأوروبية المسيحية، وأسهم بشكلٍ واضح فى إثراء الفكر العربى المعاصر وفتح نوافذ المعرفة وقنوات الاتصال بين الأدبين العربى والإسبانى، فقد قضى سنواتٍ مديراً «للمعهد المصرى للدراسات الإسلامية»، الذى أنشأه عميد الأدب العربى «طه حسين» فى «مدريد»، ثم امتدت به ظروف العمل وصولاً إلى دول «أمريكا اللاتينية» رسولاً للثقافة العربية، ومبعوثاً لمظاهر «الحضارة الإسلامية»، وهو عضو مرموق فى «مجمع اللغة العربية» بالقاهرة يستطيع المرء أن يتعرف على أسلوبه قبل أن يرى اسمه، وهو بذلك واحد من قلائل الكتاب الذين ينفردون بأسلوب معين يرتبطون به وطريقة فى التعبير يلتزمون بها، ولقد عرفته منذ عدة عقود وتواصلت بينى وبينه حبال المودة، رغم انتقاده الشديد لنظام الرئيس الأسبق «مبارك»، إلا أنه كان لا يحسبنى تماماً عليه، وقد حضرت معه ندوات كثيرة ولقاءات متعددة، وكان يبهرنى دائماً بتفكيره العميق ورؤيته الواضحة وشخصيته المتميزة، فهو رجل حصيف يعرف ماذا يقول ومتى وأين، ويدرك أبعاد المعانى وراء الكلمات، لذلك وقف على قمة النقد الأدبى فى عالمنا العربى المعاصر، وما أكثر ما أقرأ له تعليقاً عن أديب ناشئ أو شاعرة جديدة أو روائى فى مستهل حياته، فترى «د. صلاح فضل» محللاً وشارحاً قبل أن يكون ناقداً وموجهاً، لقد أثرت مقالاته الصحفية وكتاباته فى الدوريات المكتبة العربية وشغلت مساحة تمد جسوراً بين اللغة والأدب والفن، حتى أضحى اسماً كبيراً فى سماء الثقافة العربية، ولعل آخر كتبه «عين النقد» هو سيرة ذاتية من نوع جديد يختلط فيها التحليل النفسى مع التفسير العلمى فى إطار رؤية مشرقة لمسيرة الحياة صعوداً وهبوطاً، وأحسب أن الكثيرين يدركون أن وثائق «الأزهر الشريف»، التى توالت بعد ثورة 25 يناير 2011، قد صاغها ذلك الأديب الناقد والمفكر المتعمق «صلاح فضل» فى جلساتٍ متصلة برئاسة الإمام الأكبر الدكتور «أحمد الطيب» وتوجيهه، وبحضور كوكبة من المفكرين والمثقفين كان لى شرف أن أكون من بينهم، ولقد تركت هذه الوثائق أثراً دولياً وإقليمياً ولقيت قبولاً كبيراً فى العالمين العربى والإسلامى، ووضعت «الأزهر الشريف» فى موقعه الطبيعى والطليعى، خصوصاً أمام الطوائف الدينية الأخرى غير الإسلامية، حيث أبرزت سماحة الدين الحنيف، وأزالت كل أسباب التعارض المصطنع بينه وبين الحريات العامة وحقوق الإنسان ومكانة المرأة ودخلت فى تاريخ تلك المؤسسة الإسلامية الكبرى كعلامة مضيئة، حتى إن البابا الراحل «شنودة الثالث» قد طلب التوقيع عليها قبل رحيله، احتراماً لها واعترافاً بقيمتها، فالفضل يرجع إلى «صلاح فضل»، الذى يبدو لى أحياناً «كالجواهرجى» الذى ينتقى أفضل الفصوص النادرة والمعادن النفيسة تفكيراً وتعبيراً ثم يصوغها أمام القارئ مجدولة فى ثوبٍ قشيب، ولعل أهم ما يميز ذلك المفكر المصرى الكبير هو انتصاره لحرية الإبداع ودفاعه الدائم عن الإنسان وقيمته وانحيازه للطبقات الكادحة وإيمانه العميق بمفهوم العدل الاجتماعى.
إن «د. صلاح فضل» نموذج للمفكر العصرى بين جمهرة علماء المسلمين، وتعبيرٌ متألق عن الحداثة فى عصرنا الذى نعيش فيه.. فتحية له ولجيله وتلاميذه وقرائه وعارفى فضله.
جريدة المصري اليوم
11 سبتمبر 2013
https://www.almasryalyoum.com/news/details/201668