إنها محامية رفيعة الشأن، وقاضية شديدة المراس، تملك حساً سياسياً رفيعاً ورؤية عميقة لروح القانون، وليس نصوصه فقط، تملك الشجاعة لإبداء رأيها وتدافع بشراسة عن وطنها، ترفض الاستسلام مهما كانت الضغوط، ولا تقبل الانحناء إلا لخالقها، أعرفها منذ سنواتٍ طويلة وتربطنى بها وبزوجها رجل الأعمال الفاضل صداقة بعيدة، ومازلت أتذكر يوم دعت السيدة «سوزان مبارك» إلى حفل تكريم بمناسبة دخول المرأة المصرية إلى سلك القضاء، وكانت المستشارة تهانى الجبالى، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، هى ضيفة الشرف، ورأيتها تتصرف فى شموخ ولا تندفع نحو السيدة الأولى، كما كان يفعل غيرها، وكأنها تريد أن تقول إن دخول المرأة إلى القضاء أمرٌ طبيعى وحق تاريخى قد يقدّر من سعى فيه ولكن لا يشكر عليه، وزاملت تلك المصرية المحترمة فى ندوات عديدة ولقاءات مختلفة ومناسبات متعددة، كانت هى فيها طرفاً مستنيراً للحوار الفكرى والرأى الحكيم فى تدفق يدعو إلى الإعجاب ويؤكد أن تلك القانونية المتألقة تقدم للعقل بضاعة جيدة ولا تقول كلمات جوفاء أو عبارات بلا معنى، مثلما يفعل غيرها فى ميادين السياسة والاقتصاد والقانون، فما أكثر من سمعنا منهم إلى غثاء لا يغنى وزبد لا يفيد، إنها «تهانى الجبالى» ابنة مصر البارة المدافعة عن حقوق شعبها والمناضلة من أجل الوعى والتقدم والاستنارة، وما أكثر ما تعرضت له فى مسيرتها من عقبات وتحديات وأزمات، ولكنها كانت دائماً صامدة قوية، ويكفى أن يقترن اسمها عبر التاريخ بأن دستوراً للبلاد ـ بغض النظر عن تقييمنا له ـ قد تضمن تحديداً جديداً لعدد أعضاء «المحكمة الدستورية العليا» جرى وضعه فى «شخصنة» واضحة استهدافاً للقاضية المحترمة تهانى الجبالى لإبعادها عن موقعها، لأنها كانت شوكة فى حلق من يريدون شراً بالمحكمة الدستورية العليا، ويعتبرون أن أحكامها لا تصادف أهواءهم ولا مخططاتهم، ولقد صدق الدكتور حازم الببلاوى عندما قال فى ندوة كنا فيها متحدثين معاً منذ فترة وجيزة «لقد قالوا قديماً إن القانون لا يعرف (زينب) ولكن اتضح لنا أنه يعرف (تهانى)!»، ولقد زاملت المحامية القاضية فى مرحلتى حياتها بين القضاء الواقف والقضاء الجالس، ورأيتها تنتصر للحق وتنفرد بالرأى الأصوب، وذات يوم جاءت بعثة من «الأمم المتحدة» لتستقبل مجموعة من المفكرين والمثقفين المصريين فى مقر إقامتها بأحد فنادق القاهرة وأسعدنى الحظ أننى كنت مع المستشارة تهانى الجبالى فى جلسة واحدة نبدى رأينا فى الآفاق المنتظرة لثورة 25 يناير 2011 والاحتمالات القائمة فى طريقها والقوى السياسية الشريكة فيها، ووجدت أن القاضية المصرية مازالت- على عهدى بها- عميقة الفكر، بعيدة الرؤية، واضحة البيان، وقد جمعتنا لقاءات أخرى كمجموعة عمل فى «الأزهر» الشريف بحضور ورئاسة إمامه الأكبر، وكانت هى هى لا تتغير رأياً ولا موقفاً، تبهر الحاضرين وتستدعى الاحترام والتقدير، وهى بالمناسبة سليلة بيت علم ودين، والإسلام الصحيح جزءٌ من هويتها الحقيقية، وأشاركها هواية نعتز بها وهى حبنا المشترك لصوت إمام القراء الراحل الشيخ مصطفى إسماعيل، كما أنها ترتبط بأسرته بحبال المودة والصداقة، مثلما هو الأمر أيضاً بالنسبة للوزيرة السابقة فايزة أبوالنجا التى تحمل لذلك الشيخ صاحب الصوت الشجى وأسرته كل مودة وصداقة أيضاً.
إن تهانى الجبالى واحدة من رموز هذا الوطن وسيدة متألقة بين نسائه فى كل العصور ونموذج نعتز به ونفاخر على الدوام، وهى لاتزال تستكمل دورها، وتواصل عطاءها، وتمضى صامدة من أجل وطنها وآماله وشعبها وأحلامه.
جريدة المصري اليوم
28 أغسطس 2013
https://www.almasryalyoum.com/news/details/199755