لا يكاد يتذكره الكثيرون، رغم أنه كان ملء السمع والبصر، هو أستاذ الأدب الإنجليزى ورئيس «الهيئة العامة للكتاب» لسنوات طويلة، كان شخصية من طراز خاص، قد تتفق معه أو تختلف، ولكنك تدرك فى النهاية أنه شخص متفرد بما له وما عليه، كان ـ كغيره من البشر ـ يهوى الاقتراب من السلطة ويجد الدفء بالقرب من نيرانها الحارقة، وقد احتفظ بدائرة واسعة من المعارف والأصدقاء بين مثقفى «مصر» والعالم العربى وأعطى «لمعرض الكتاب» كل عام نكهة خاصة، حتى أصبح ذلك المعرض السنوى الجامع مختلفاً بعد رحيله عما كان عليه فى حياته، كان طيب القلب بلا حدود، يترك الأمور تجرى فى أعنتها فى استرسال بلا قيود، تحتل العوامل الشخصية فى علاقاته بالبشر وأحكامه على الناس حيزاً كبيراً، وكان للمرأة دور مؤثر فى حياته، ولكن أبرز زيجاته كانت هى الأديبة الراحلة الصحفية «نهاد جاد» مؤلفة مسرحية «ع الرصيف» التى تألقت فيها الفنانة «سهير البابلى» وكانت نقطة تحول فى المعالجة المسرحية لبعض مشكلاتنا الاجتماعية،
وقد ترك ذلك الأديب الراحل من بعده ذرية طيبة، لعل أبرزها ابنه الفنان المعروف «خالد سرحان» فضلاً عن رصيد ضخم من الذكريات لدى كل من عرفوه، فلقد كان رجلا رحباً واسع الصدر يحتوى أصدقاءه وزملاءه ويقود العمل بأسلوب تلقائى مفتوح أمام الجميع، ولقد استقدم «لمعرض القاهرة للكتاب» شخصيات مختلفة من كافة الاتجاهات وصنع له جمهوراً عريضاً، وتمكن من انتزاع مساحة من الحرية فى طرح الآراء ومناقشة القضايا من خلال شهادات وندوات ومحاضرات ذلك المهرجان السنوى، الذى بدأ من عصر الأديبة الكبيرة ـ تلميذة «د.طه حسين» المباشرة ـ «د.سهير القلماوى» حتى أصبح ذلك المعرض عرساً سنوياً للثقافة، يأتى إليه رئيس الدولة فى يوم افتتاحه كل عام ليتحدث إلى مثقفى «مصر» ويستمع منهم فى إطار الهامش المتاح حينذاك من حرية الرأى وقبول النقد، ثم انضوى الدكتور «سمير سرحان» فى مسيرة «القراءة للجميع» و«مكتبة الأسرة» مؤمناً بأن ذلك يفتح أبواب الثقافة أمام الأجيال الجديدة ويعزز من دوره الشخصى فى الحياة العامة ويفتح قنوات اتصال له مع صناع القرار وأصحاب الكلمة العليا فى البلاد،
ولقد عاصرت شخصياً «معرض الكتاب» تحت إشراف الراحل «سمير سرحان» لأكثر من عشر سنوات كنت فيها صاحب محاضرة سنوية، أحاول أن أطرح من خلالها قضايا جديدة وأن أحرض العقل المصرى على التفكير بشكل غير تقليدى وكنت أحظى من الدكتور«سمير سرحان» بتقديم كريم كل عام حتى بعد أن تركت «مؤسسة الرئاسة» وأصبحت عبئاً على من يدعونى بعدما كنت مقصداً لبعض من يداهنون النظام ويحملون المباخر له، كان ذلك فى وقت يقود فيه مسيرة الثقافة فنان متألق هو «فاروق حسنى» الذى أعطى الثقافة المصرية مسحة من «الشياكة» حيث تعددت المتاحف وازدهرت أجهزة الوزارة المختلفة وتحولت دار «الأوبرا» المصرية إلى مركز إشعاع رفيع فى العالم العربى كله، ومازلت أذكر للصديق الراحل «سمير سرحان» عشرات النوادر، فقد كان الرجل حريصاً على ألا يخسر أحداً وأن يقترب حتى من معارضيه بل وخصومه، لأنه كان يسعى لمواصلة المناسبات، التى يعقدها دون جفوة مع أحد أو عداء للآخر، وعندما اختطف المرض اللعين زوجته الأخيرة، لم نكن نتصور أنه سوف يلحقها بعد فترة وجيزة، تاركاً طفلة منها كانت فى عمر الزهور، وما أكثر الانتقادات التى وجهت إلى «سمير سرحان» فى حياته والاتهامات التى انهالت عليه طوال مسيرته، ولكنه كان قوياً فى تكوينه النفسى لا يبالى كثيراً بالمعارك الجانبية ويمضى فى طريق، رأى هو أنه الأفضل بالنسبة له، وعندما هوى ذلك النجم اللامع فى سماء الثقافة المصرية، افتقد الوطن ابناً عزيزاً وافتقدت الثقافة ركناً مضيئاً، وافتقدت شخصياً صديقاً طيباً.
جريدة المصري اليوم
4 يوليو 2013
https://www.almasryalyoum.com/news/details/50044